في خضمّ نقاشات سياسية واجتماعية متصاعدة في الجزائر، أثار تصريح لرئيس حزب “صوت الشعب” لمين عصماني عاصفة من الجدل والانتقادات الحادة. فقد أدلى عصماني بتصريح وصف فيه “شهيدات الجزائر” بأنهن “ضَحّين بعرضهن”، وهو ما اعتبره العديد من الحقوقيين والناشطين النسويين مساساً خطيراً بكرامة هؤلاء الرموز الوطنية. هذا التصريح المثير للجدل، والذي يتعلق بـ تضحيات الشهداء الجزائريين، أثار تساؤلات حول الخطاب السياسي واللغة المستخدمة في الحديث عن تاريخ الثورة التحريرية.
الجدل يشتعل حول تصريح “العرض والتضحية”
أطلق لمين عصماني تصريحه خلال لقاء عام، حيث قال: “هذه البلاد مات من أجلها نساء ورجال، وهي مسقية بالدم، ليس لكي نلعب بها.. شهيدات أعطين دمهن وعرضهن من أجل الوطن”. سرعان ما انتشر التصريح على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما أدى إلى ردود فعل غاضبة ومستنكرة من مختلف الأطراف.
العديد من المعلقين اعتبروا أن هذا التصريح يمثل “تجاوزاً في حق مجاهدات الثورة التحريرية”، مؤكدين أنه لا يمكن اعتبار أن الشهيدات اللائي حاربن من أجل الحفاظ على كرامتهن وعرضهن قد “سلمن” عرضهن. وطالبوا عصماني بتقديم اعتذار رسمي للشعب الجزائري.
ردود فعل حقوقية وقانونية
من بين أبرز المنتقدين للتصريح، المحامية والمستشارة القانونية فتيحة رويبي، التي وصفته بـ”الخطير”، متسائلة: “أي مهانةٍ هذه؟ وأي تطاول على تاريخ صاغته نساء قدّمن أرواحهن لا أعراضهن؟”. وأوضحت رويبي أن هناك فرقاً شاسعاً بين القول إن الشهيدات “قدمن عرضهن”، وهو ما يوحي بأنهن تنازلن عن شرفهن بمحض إرادتهن، وبين الحقيقة التاريخية المؤلمة المتمثلة في تعرض بعض الجزائريات للاغتصاب من طرف المستعمر.
ودعت رويبي وزارة المجاهدين إلى “التدخل الفوري وتقديم شكوى ضد صاحب هذا التصريح”، معتبرة أن هذا التصريح يمثل إهانة لتاريخ النضال الجزائري. هذا الأمر يثير نقاشاً حول الذاكرة التاريخية للجزائر وكيفية التعامل معها في الخطاب العام.
دفاع عصماني وتفسير مقصده
في محاولة لتوضيح موقفه، دافع لمين عصماني عن تصريحه في حديث لـ “العربية.نت”، مؤكداً أنه لم يقصد الإساءة إلى الشهيدات. وأوضح أن المقصود بكلمة “العرض” في سياق حديثه هو الدفاع عن الأرض، والمنزل، والأبناء، وهو المفهوم السليم للعرض في الثقافة العربية.
وأضاف عصماني أن الشهيدة المجاهدة ضحت بكل ما تملك، وأن تضحياتها تبقى نموذجاً يحتذى به في العالم أجمع. واعتبر أن ما أثير حول الموضوع هو مجرد “اصطياد في المياه العكرة”، وأن هناك محاولة لتشويه صورته واستغلال تصريحه لأغراض سياسية.
زلة لسان أم سوء فهم؟
في المقابل، يرى البعض أن تصريح عصماني كان مجرد “زلة لسان” غير مقصودة، خاصة وأن سياق الكلام كان يدافع فيه عن المرأة. ويعتقد هؤلاء أن عصماني لم يكن يقصد الإساءة إلى الشهيدات، وأن تفسير تصريحه قد تم بطريقة خاطئة. ومع ذلك، يظل هذا التفسير غير مقنع للكثيرين، الذين يرون أن اختيار الكلمات يجب أن يكون دقيقاً وحذراً عند الحديث عن قضايا حساسة مثل تاريخ الثورة الجزائرية.
تداعيات التصريح وأهمية الحفاظ على الذاكرة الوطنية
أثار تصريح لمين عصماني نقاشاً واسعاً حول أهمية الحفاظ على الذاكرة الوطنية واحترام رموزها. كما سلط الضوء على ضرورة توخي الحذر في استخدام اللغة عند الحديث عن تاريخ الثورة التحريرية، وتجنب أي عبارات قد تفسر على أنها مساس بكرامة الشهداء.
هذا الجدل يذكرنا بأهمية الوعي التاريخي وضرورة نقل حقيقة الأحداث للأجيال القادمة، بعيداً عن أي تحريف أو تزييف. كما يؤكد على أهمية احترام تضحيات الشهداء وتقدير دورهم في استقلال الجزائر.
في الختام، يظل تصريح لمين عصماني بمثابة تذكير بأهمية الحفاظ على الذاكرة الوطنية واحترام رموزها، وضرورة توخي الحذر في استخدام اللغة عند الحديث عن تاريخ الثورة التحريرية. هذا الأمر يتطلب وعياً تاريخياً وجهوداً مستمرة لنقل حقيقة الأحداث للأجيال القادمة، بعيداً عن أي تحريف أو تزييف. ندعو إلى حوار بناء ومسؤول حول هذه القضايا الحساسة، بهدف تعزيز الوحدة الوطنية والحفاظ على كرامة الشهداء.
