ترك رائد الفن المفاهيمي في دولة الإمارات والخليج، الفنان الراحل حسن شريف، تأثيراً كبيراً ومتواصلاً على المشهد الفني، سواء المحلي أو العالمي، من خلال أدواته وأبجديته الفنية المتعددة الوسائط، واستكشافه لمفهوم الأداء في الفن، الذي بدوره عمل على دفع الحدود الإبداعية إلى أقصى درجاتها.
وأخيراً، عرضت النسخة الثانية من «بينالي الدرعية»، التي تختتم في مايو المقبل، أعمالاً منتقاة للفنان الإماراتي، تسلّط الضوء على المرحلة التي دمج فيها العرض الأدائي بالاشتغال الفني، والتي اعتمد فيها على التكرار في كثير من الأعمال، وفي كيفية تصوير الطبيعة والأشياء التي يعيد إليها الحياة.
وحملت الأعمال المختارة التي تعود إلى الفترة الممتدة من عام 1979 إلى 1984، ويصل عددها إلى 14 عملاً، موضوعات متباينة، ومنها توثيق لوحة «رمي الحجارة» التي تعود لعام 1983، حيث قام الفنان الراحل مع صديقه الفنان محمد أحمد إبراهيم، برمي الحجارة في مشهد صحراوي، وكان في كل مرة يتم فيها رمي الحجر، يتجسد تكوين جديد، في محاولة للتدليل على عدم القدرة على التنبؤ بصنع الفن. وتبين هذه الأعمال الحالة العفوية التي طبعت الاشتغال الفني لشريف في كثير من المراحل، هذه العفوية التي تحمل من التلقائية بالقدر نفسه ما تحمله من الرؤية الواضحة وغير الضبابية لتقديم ما هو منظم وفي سياق تجريبي متجدد.
وحمل المعرض الأعمال التي نرى فيها الفنان مستلقياً، وهي تعود لعام 1984، إذ جلس شريف على مقعد في أحد الممرات في مدرسته للفنون، وعندما مر شخص من أمامه سجل هذا النشاط ضمن نظام من القواعد التي حددها لنفسه. وتظهر في الصور مربعات وجسّد الفنان وهو مستلقٍ على الأرض على شبكة المربعات هذه، إذ يعمل على تشكيل جسده وفق حركات متعددة، ويقوم بعد ذلك بإجراء عملية حسابية لمجموع المربعات التي قام بتغطيتها بكامل جسده في كل صورة. وتبرز هذه الأعمال اعتماد شريف على جسده كموضوع ووسيط فني في الوقت عينه، إذ تنقل السجلات المشروحة البسيطة للعروض منطق الفنان وحساباته ونتائجه، من خلال التفاعل بين مبدأ المصادفة والنظام. وهي الأعمال التي تأخذنا إلى المرحلة التي أنتج فيها شريف إبداعات ناتجة عن سلسلة من العروض التي تتمحور حول الأفعال البسيطة التي وثقها بصور فوتوغرافية مثبتة على الورق، وأحياناً مصحوبة بتعليمات وملاحظات، فهي نتاج اجتماع العديد من الوسائط الفنية.
أعمال الفنان الراحل حسن شريف التي عرضت في البينالي، ضمن قسم «الموروثات الحديثة وشاعرية المكان»، و(الذي يسلط الضوء على تجارب فنانين كانوا من روّاد الفن)، تُدلِّل على تجربة الفنان الإماراتي في تأمله للمجتمع المعاصر، من خلال التجمعات والأشياء التي يتم العثور عليها. وتُعدّ الأعمال المختارة من أوائل الأعمال التي قدمها بعد تخرجه من «بايام شو» للفنون في لندن، التي تبرز اهتمامه بحركة تدفق الطبيعة وكيف طوّر منهجياته الخاصة، سواء التي تُعنى بالتدخل في مجال الطبيعة، أو الخاصة بتطوير منهجية نظام صنع الفن.
من جانب آخر، عُرضت صور التقطها الفنان تحمل عنوان «ظلال اللوز»، التي دمج فيها التصوير مع استخدم قلم الرصاص، وهي صور تعود لعام 1983، وقدم فيها أشجار اللوز وظلالها، فيما مجموعة من الصور أبرزت الصور التي التقطها وهو يحمل وعاء بداخله ماء، ويحاول القفز على قدم واحدة من دون أن تسقط قطرة واحدة من الماء على الأرض، مع وضعه المربعات التوضيحية التي تبسط العمل الفني وفق جدول حسابي. أما العمل الذي حمل عنوان «صوت»، فقدم من خلاله الفنان نفسه مع جهاز الراديو في مواضع ومواقع مختلفة، ليبرز من خلال الصور حالته مع تبدل الصوت، ويترك للمتلقي فرصة تخيل الفروقات التي تحدثها مصادر الأصوات مع تغيّر مواقعها.
هذه الأعمال التي اعتمد فيها شريف على الأداء وعلى جسده بشكل أساسي، تبرز تعاطيه المختلف مع الوسيط الفني، فقد كان الفنان الذي ألقى حجراً في مياه الفن، ليغيّر من حركته بكل ما هو غير مألوف وخارج الصندوق. وهذا التوظيف الذي اعتمده الفنان في فن الأداء وفي استخدامه لجسده في الأعمال، يبرز النسق الذي اعتمده شريف لاحقاً في تجميع وإعادة تقديم الأشياء التي صاغ منها أعماله وصنع منها أسطورته.
سيرة فنية
يُعدّ الفنان الإماراتي حسن شريف واحداً من الشخصيات المؤثرة في الحركة الفنية العربية، بأعماله وآرائه التي تبناها حول طبيعة الممارسة الفنية، فهو من روّاد الفن المعاصر في منطقة الخليج والشرق الأوسط. ولد في عام 1951 ورحل في عام 2016، وقدم خلال حياته الكثير من الأعمال التي جعلت منه الأب الروحي للفن المفاهيمي. وبدأ حياته الفنية برسم الكاريكاتير، ومن ثم انتقل منها إلى التصوير والرسم والأعمال التركيبية، التي تطوّرت خلال رحلة فنية امتدت نحو 40 عاماً، قدم خلالها حسن شريف أعماله في معارض داخل الدولة وخارجها، واقتنيت أيضاً في متاحف عدة حول العالم، كما كان لديه العديد من الكتابات والكتب المنشورة في مجال الفن الحديث.