في نهاية عام 2025، لم يعد الذكاء الاصطناعي الطبي مجرد موضوع للنقاش في المؤتمرات أو وعدًا تسوقه الشركات الناشئة. بل أصبح شريكًا صامتًا في العيادات، يقدم الدعم للأطباء، ويكشف عن تفاصيل لا تدركها العين المجردة، ويتنبأ بالمستقبل الصحي للمرضى. هذا العام شهد تحولًا جذريًا، حيث انتقل الذكاء الاصطناعي من مرحلة البحث والتطوير إلى اتخاذ قرارات سريرية حقيقية، مما أحدث ثورة في التشخيص المبكر والعلاج الدقيق.
قفزات نوعية في الذكاء الاصطناعي الطبي خلال عام 2025
شهد عام 2025 تطورات مذهلة في مجال الذكاء الاصطناعي الطبي، أثبتت قدرته على إنقاذ الأرواح وتحسين جودة الرعاية الصحية. فيما يلي خمسة إنجازات موثقة تبرز هذا التحول:
الكشف المبكر عن السرطان: نموذج P-Cancer
في الولايات المتحدة، قدم باحثون نموذجًا مبتكرًا يُعرف باسم P-Cancer، قادرًا على تحليل صور الرنين المغناطيسي للبروستاتا في غضون 12 ثانية فقط. لا يقتصر عمل هذا النظام على تحديد وجود الورم، بل يميز بدقة بين السرطانات البطيئة وغير الخطيرة، وتلك التي تشكل خطرًا حقيقيًا على حياة المريض.
وقد أظهرت النتائج دقة بلغت 94%، متفوقًا على أداء أخصائيي الأشعة بنسبة 75%. الأهم من ذلك، أن تقرير الخوارزمية يصل إلى الطبيب المعالج فور انتهاء الفحص، مما يختصر أسابيع الانتظار إلى مجرد دقائق، ويغير مسار التشخيص من الترقب إلى اتخاذ قرار سريع ومستنير.
استشراف مستقبل القلب: الطب الوقائي الذكي
لم يقتصر دور الذكاء الاصطناعي الطبي على تحليل الصور، بل امتد إلى استشراف المستقبل الصحي للقلب. في كليفلاند كلينك، نجح نموذج متطور في التنبؤ بحدوث أحداث قلبية كبرى خلال السنوات الخمس المقبلة بدقة تقارب 90%.
يعتمد هذا النموذج على دمج بيانات تصوير الرنين المغناطيسي للقلب مع المعلومات الوراثية للمريض. هذه القفزة النوعية لا تقتصر على تشخيص الأمراض القلبية، بل تفتح الباب أمام الطب الوقائي الفعال، حيث يمكن اتخاذ الإجراءات العلاجية قبل ظهور الأعراض.
القلب المطبوع ثلاثي الأبعاد: مراقبة الخوارزميات لنبض الحياة
في أواخر عام 2025، أعلن معهد بحثي عالمي عن إنجاز يعتبره الكثيرون ضربًا من الخيال العلمي: قلب بشري مطبوع ثلاثي الأبعاد بالكامل باستخدام خلايا المريض نفسه.
ولم يُترك هذا القلب المبتكر للصدفة. فقد راقبت خوارزميات التعلم العميق عملية الطباعة لحظة بلحظة، وضبطت تدفق الدم الرقمي داخل النموذج، مما ساهم في خفض خطر التجلط بنسبة 38%. هنا، لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة للتحليل أو دعم القرار، بل أصبح جزءًا لا يتجزأ من وظائف العضو نفسه.
علاج السكري: دمج البيانات لتخصيص العلاج
برز نموذج Deep-Diabetes في الولايات المتحدة كأحد أكثر تطبيقات الذكاء الاصطناعي الطبي تطورًا في علاج مرض السكري من النوع الثاني. يجمع هذا النظام بين صورة شبكية العين والمعلومات النصية الموجودة في الملف الطبي للمريض، ليقترح خطة علاج وتغذية مصممة خصيصًا لتلبية احتياجات كل فرد.
أظهرت التجارب السريرية التي شملت أكثر من 50 ألف مريض تحسنًا إضافيًا في مستوى الهيموغلوبين السكري (HbA1c) بمقدار 0.9% مقارنة بالرعاية التقليدية. قد يبدو هذا الرقم متواضعًا، ولكنه يحمل تأثيرًا كبيرًا في تقليل مضاعفات المرض.
تشخيص الخرف: رؤية المستقبل في العين
في كندا، تم تطوير جهاز محمول يُعرف باسم Lumi-Neuro، قادر على تصوير ترسّبات بروتين الأميلويد في شبكية العين دون الحاجة إلى حقن أو تدخل جراحي. يمكن لهذا الجهاز تقدير خطر الإصابة بالخرف المبكر بدقة بلغت 88% في غضون دقيقة واحدة فقط، وبتكلفة لا تتجاوز 20 دولارًا للفحص.
يعتبر بروتين الأميلويد علامة بيولوجية مبكرة مرتبطة بمرض ألزهايمر وأنواع أخرى من الخرف، حيث يبدأ تراكمه في الدماغ قبل ظهور الأعراض بسنوات طويلة. بفضل هذا الجهاز، أصبح تشخيص الخرف متاحًا في العيادات المتنقلة، مما يسرع عملية الكشف المبكر عن المرض.
السعودية والتحول نحو الطب الذكي
شهدت المملكة العربية السعودية في عام 2025 تسارعًا ملحوظًا في توظيف الذكاء الاصطناعي الطبي في مختلف جوانب الرعاية الصحية، بدءًا من التشخيص المبكر وصولًا إلى دعم القرار السريري.
تم إطلاق منصات وطنية لتحليل الصور الطبية والسجلات الصحية الضخمة، وساهمت الخوارزميات المحلية في تحسين دقة الكشف عن أمراض القلب والسكري والأورام. ويأتي هذا التحول في إطار تنظيمي تقوده الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا). لم تعد المملكة مستهلكًا للتقنية فحسب، بل أصبحت شريكًا فاعلاً في صياغة نموذج عربي للطب الذكي، يوازن بين الابتكار، والحوكمة، وخصوصية المريض.
ما بعد 2025: الأخلاقيات أولاً
على الرغم من هذه الإنجازات المذهلة، لم يكن عام 2025 خاليًا من التحديات والأسئلة. كشفت دراسة حديثة نُشرت في مجلة Nature Medicine عن وجود تحيزات مرتبطة بالعرق والاختلافات بين الجنسين في بعض نماذج تشخيص السرطان.
أعاد هذا الاكتشاف إلى الواجهة أهمية عدالة الخوارزمية، والحاجة إلى حوكمة صارمة للبيانات الطبية، وشفافية واضحة في عملية اتخاذ القرارات السريرية. فالذكاء الاصطناعي، مهما بلغت دقته، لا يمثل سوى انعكاس لمن صممه، وبالتالي فإن دقته الأخلاقية لا تقل أهمية عن دقته الحسابية.
إن ما كشفه عام 2025 هو أن الذكاء الاصطناعي الطبي لم يعد مجرد وعد بالمستقبل، بل أصبح واقعًا ملموسًا في قلب الممارسة الطبية اليومية. إنه طب يعيد ترتيب الزمن، حيث يسبق المرض إلى جذوره، ويمنح الطبيب ما كان ينقصه دائمًا: وقتًا للفهم، ومساحة للرحمة.
أما العالم العربي، فهو يقف اليوم على أعتاب مرحلة تاريخية نادرة. فإما أن يكتفي بمراقبة هذه التحولات من بعيد، أو أن يشارك بفاعلية في صياغتها، مساهمًا في بناء طب ذكي لا يهمش الإنسان، بل يعيده إلى مركز الاهتمام. فالفرص الكبرى لا تتكرر، بل تُدرك حين يولي أصحابها اهتمامًا بمتطلبات العصر. وكما أدرك ابن سينا منذ قرون، فإن جوهر الطب يكمن في فهم الإنسان قبل مرضه، وكل تقنية لا تخدم هذا الفهم تظل ناقصة، مهما بلغت دقتها.