تنتشر المخاوف بشأن تأثير التلوث البيئي على صحة الإنسان بشكل متزايد، وفي طليعة هذه المخاوف تبرز الجسيمات البلاستيكية الدقيقة كتهديد خفي ولكنه خطير. دراسة حديثة أثارت ناقوس الخطر، حيث كشفت عن علاقة محتملة بين التعرض لهذه الجسيمات وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب، خاصةً لدى الرجال. هذا الاكتشاف يضيف بعدًا جديدًا لفهمنا لتأثير البلاستيك على صحتنا، ويستدعي اتخاذ إجراءات وقائية للحد من التعرض له.
ما هي الجسيمات البلاستيكية الدقيقة؟
الجسيمات البلاستيكية الدقيقة، والتي تتراوح أحجامها بين جزء من الألف من المليمتر وخمسة مليمترات، هي نتاج تحلل المواد البلاستيكية الأكبر حجمًا. تتواجد هذه الجسيمات في كل مكان حولنا: في المحيطات، التربة، الهواء الذي نتنفسه، وحتى في الطعام والماء الذي نستهلكه. تنتج عن مصادر متعددة، بما في ذلك التآكل الناتج عن الإطارات، والألياف الدقيقة المتساقطة من الملابس الاصطناعية، وتفتت المنتجات البلاستيكية الكبيرة. بسبب صغر حجمها، يمكن لهذه الجسيمات أن تدخل مجرى الدم وتستقر في الأعضاء الحيوية، مما يثير تساؤلات حول تأثيراتها الصحية طويلة الأمد.
الدراسة الجديدة: علاقة مباشرة بين الجسيمات البلاستيكية الدقيقة وأمراض القلب لدى الرجال
نشرت صحيفة الغارديان البريطانية نتائج دراسة حديثة أجراها باحثون في جامعة كاليفورنيا، والتي تشير إلى أن الجسيمات البلاستيكية الدقيقة قد تساهم بشكل مباشر في تطور أمراض القلب والأوعية الدموية. لم يكن الهدف من الدراسة تحديد ما إذا كانت الجسيمات البلاستيكية موجودة ببساطة في قلوب المرضى، بل التحقق مما إذا كانت هذه الجسيمات تتسبب بشكل فعال في تلف الشرايين.
تفاصيل الدراسة ومنهجيتها
قام فريق البحث بقيادة البروفيسور تشانغ تشنغ تشو بتقييم تأثير الجسيمات البلاستيكية الدقيقة على فئران مُعدلة وراثيًا لتكون عرضة لتصلب الشرايين. تم إطعام الفئران، ذكورًا وإناثًا، نظامًا غذائيًا صحيًا منخفض الدهون والكوليسترول، ثم تم إعطاؤهم جرعات من الجسيمات البلاستيكية الدقيقة لمدة تسعة أسابيع، تعادل تقريبًا ما قد يتعرض له الإنسان من خلال مصادر ملوثة.
النتائج المذهلة: تأثير جنساني واضح
على الرغم من أن النظام الغذائي الغني بالبلاستيك لم يؤد إلى زيادة الوزن أو ارتفاع الكوليسترول لدى الفئران، إلا أن الدراسة كشفت عن تلف واضح في الشرايين. الأكثر إثارة للدهشة هو أن هذا التلف كان أكثر وضوحًا في ذكور الفئران. فقد أظهرت ذكور الفئران المعرضة للجسيمات البلاستيكية الدقيقة زيادة بنسبة 63% في تراكم اللويحات في الشريان الرئيسي المتصل بالقلب، وزيادة بأكثر من 7 أضعاف في الشريان العضدي الرأسي. بالمقابل، لم تظهر إناث الفئران أي زيادة ملحوظة في تكوّن اللويحات.
كيف تؤثر الجسيمات البلاستيكية الدقيقة على الشرايين؟
أظهرت التحاليل الإضافية أن الجسيمات البلاستيكية الدقيقة تتداخل مع وظائف الشرايين وتغير سلوك الخلايا الموجودة فيها. الخلايا البطانية، التي تبطن الأوعية الدموية من الداخل، كانت الأكثر تأثرًا. وفقًا للدكتور تشو، فإن هذه الخلايا هي أول ما يتعرض للجسيمات البلاستيكية الدقيقة المنتشرة في الدم، وبالتالي فإن خلل وظيفتها يمكن أن يؤدي إلى الالتهاب وتكوّن اللويحات، وهما من العوامل الرئيسية في تطور أمراض القلب. هذا يشير إلى أن الجسيمات البلاستيكية الدقيقة لا تسبب فقط تلفًا ميكانيكيًا، بل تحفز أيضًا استجابات التهابية تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب.
لماذا الرجال أكثر عرضة للخطر؟
لا يزال الباحثون يحاولون فهم سبب كون ذكور الفئران أكثر عرضة لتلف الشرايين الناتج عن التعرض للجسيمات البلاستيكية الدقيقة. من المحتمل أن تلعب العوامل الهرمونية أو الاختلافات الجينية دورًا في هذا التباين. يجري حاليًا دراسات لتحديد ما إذا كان هذا الاختلاف بين الجنسين ينطبق أيضًا على البشر. فهم هذه الآلية أمر بالغ الأهمية لتطوير استراتيجيات وقائية مستهدفة.
تقليل التعرض للجسيمات البلاستيكية الدقيقة: خطوات ضرورية
نظرًا لصعوبة تجنب الجسيمات البلاستيكية الدقيقة تمامًا في عالمنا الحديث، فإن تقليل التعرض لها والحفاظ على صحة القلب والأوعية الدموية بشكل عام أمر ضروري. يوصي الخبراء باتباع نظام غذائي صحي، وممارسة الرياضة بانتظام، وإدارة عوامل الخطر المعروفة لأمراض القلب، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري. بالإضافة إلى ذلك، يمكن اتخاذ خطوات بسيطة لتقليل التعرض للبلاستيك في حياتنا اليومية، مثل استخدام زجاجات مياه قابلة لإعادة الاستخدام، وتجنب الأطعمة والمشروبات المعبأة في البلاستيك، واختيار المنتجات المصنوعة من مواد طبيعية بدلاً من البلاستيك.
الخلاصة
تشير الأدلة المتزايدة إلى أن الجسيمات البلاستيكية الدقيقة تمثل تهديدًا حقيقيًا لصحة الإنسان، وخاصةً صحة القلب. الدراسة الجديدة تقدم دليلًا قويًا على أن هذه الجسيمات يمكن أن تساهم بشكل مباشر في تطور أمراض القلب، خاصةً لدى الرجال. مع استمرار تلوث البيئة بالبلاستيك، يصبح فهم تأثيراته الصحية وتطوير استراتيجيات وقائية أمرًا بالغ الأهمية. من خلال اتخاذ خطوات لتقليل التعرض لهذه الجسيمات والحفاظ على نمط حياة صحي، يمكننا حماية أنفسنا وعائلاتنا من هذا الخطر الخفي. نحث القراء على مشاركة هذه المعلومات مع الآخرين والمساهمة في نشر الوعي حول هذه القضية الهامة.