في أعقاب موجة من الحذر في الأسواق العالمية، استقرت أسعار الذهب اليوم بعد أن سجلت أعلى مستوى لها في ستة أسابيع، مدفوعة بتوقعات متزايدة بخفض أسعار الفائدة الأمريكية في وقت لاحق من هذا الشهر. هذا التطور، بالإضافة إلى أداء الفضة الاستثنائي الذي حقق مستوى قياسيًا مرتفعًا، يعكس تحولًا ملحوظًا في سلوك المستثمرين نحو الأصول الآمنة.
استقرار أسعار الذهب وتأثير توقعات الفائدة الأمريكية
شهدت أسعار الذهب في المعاملات الفورية ارتفاعًا بنسبة 0.1% لتصل إلى 2354.59 دولارًا للأوقية (الأونصة) بحلول الساعة 06:45 بتوقيت جرينتش، بعد أن بلغت ذروتها منذ 21 أكتوبر. كما ارتفعت العقود الأمريكية الآجلة للذهب تسليم ديسمبر بنسبة 0.3% لتصل إلى 2387.40 دولارًا للأوقية. هذا الارتفاع يأتي في ظل تراجع الدولار الأمريكي إلى أدنى مستوى له في أسبوعين، مما يجعل الذهب أكثر جاذبية للمستثمرين الذين يحملون عملات أخرى.
دور الفضة في المشهد الحالي
لم يكن الذهب وحده من حقق مكاسب. فقد شهدت الفضة ارتفاعًا ملحوظًا بنسبة 1.1% لتصل إلى 25.19 دولارًا للأوقية، بعد أن سجلت في وقت سابق أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 25.44 دولار. هذا الأداء القوي للفضة يعكس الطلب المتزايد على المعادن الثمينة كملاذ آمن في أوقات التقلبات الاقتصادية.
العزوف عن المخاطرة وتأثيره على الأسواق
يشير تحليل السوق إلى أن هذا التحول نحو الأصول الآمنة هو نتيجة للعزوف عن المخاطرة الذي تشهده الأسواق. فقد انخفضت العقود الآجلة لمؤشر ستاندرد آند بورز بنسبة 0.8%، بالتزامن مع عمليات بيع مكثفة في العملات المشفرة الرئيسية. كما انخفضت قيمة البيتكوين بنسبة 3.6% لتصل إلى 65,200 دولار، بينما هبطت الإيثريوم بنسبة 5% لتصل إلى 3,200 دولار.
يعلق كلفن وونج، كبير محللي السوق لدى أواندا، قائلاً: “نشهد جلسة من العزوف عن المخاطرة في عقود ستاندرد آند بورز الآجلة، التي انخفضت 0.8 بالمئة تماشيا مع عمليات بيع مكثفة في العملات المشفرة الرئيسية. هذا بدوره عزز حلقة دعم إيجابية للذهب كملاذ آمن في جلسة اليوم التي اتسمت بتداولات ضعيفة”.
تصريحات البنك المركزي الأمريكي وتوقعات خفض الفائدة
عززت التصريحات الأخيرة من مسؤولي البنك المركزي الأمريكي (الاحتياطي الفيدرالي) التوقعات بخفض أسعار الفائدة في ديسمبر. فقد أشار كريستوفر والر، عضو مجلس الاحتياطي الفيدرالي، وجون ويليامز، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، إلى إمكانية تخفيف السياسة النقدية. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت البيانات الاقتصادية الأمريكية الضعيفة في ترجيح كفة خفض الفائدة.
تشير أداة “فيد ووتش” التابعة لمجموعة (سي.إم.إي) إلى أن الأسواق تتوقع حاليًا بنسبة 87% خفض أسعار الفائدة في هذا الشهر. ويرجع ذلك إلى أن أسعار الذهب غالبًا ما ترتفع عندما تنخفض تكاليف الاقتراض، حيث يصبح الاحتفاظ بالذهب أكثر جاذبية مقارنة بالأصول التي تدر عائدًا.
نظرة مستقبلية وتأثير البيانات الاقتصادية القادمة
تترقب الأسواق صدور بيانات مؤشر الإنفاق الاستهلاكي الشخصي الأساسي في الولايات المتحدة يوم الجمعة، بحثًا عن مزيد من الدلالات حول مسار السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي. هذه البيانات ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كان البنك المركزي سيواصل مسار التيسير النقدي أم لا.
أداء المعادن النفيسة الأخرى
بالإضافة إلى الذهب والفضة، شهدت المعادن النفيسة الأخرى أداءً إيجابيًا. فقد ارتفع البلاتين بنسبة 1.3% إلى 984.18 دولارًا، وزاد البلاديوم بنسبة 1.4% إلى 1021.94 دولارًا. ومع ذلك، يرى وونج أن ارتفاع أسعار الفضة يعزى إلى شح السيولة الناجم عن توقف مجموعة (سي.إم.إي) الأسبوع الماضي، وليس بالضرورة إلى عوامل أساسية قوية.
في الختام، يشير استقرار أسعار الذهب وارتفاع الفضة إلى تحول في سلوك المستثمرين نحو الأصول الآمنة، مدفوعًا بتوقعات خفض أسعار الفائدة الأمريكية والعزوف عن المخاطرة في الأسواق العالمية. من المهم متابعة البيانات الاقتصادية القادمة، وخاصة بيانات الإنفاق الاستهلاكي الشخصي، لتقييم المسار المستقبلي للسياسة النقدية وتأثيرها على سوق الذهب والمعادن الثمينة بشكل عام. هل ستستمر هذه الموجة الصاعدة في الأسعار؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.