دبي، المدينة التي لا تتوقف عن الإبهار، ليست فقط مركزًا عالميًا للتجارة والسياحة، بل هي أيضًا واحة للأمن والاستقرار. كشفت دراسة حديثة أعدتها شركة EY بالتعاون مع شرطة دبي عن الأرقام الدالة على حجم المساهمة الاقتصادية والاجتماعية التي تحققها بيئة الأمن في دبي، والتي تعد نتيجة مباشرة للجهود الحثيثة التي تبذلها شرطة دبي في تعزيز الاستقرار والأمان للمقيمين والزوار على حد سواء. هذه الدراسة تؤكد ما يعرفه الكثيرون: أن دبي مدينة استثنائية، وأن الأمن هو أحد أهم ركائز نجاحها.
تطور شرطة دبي: من مركز نايف إلى نموذج عالمي
تأسست شرطة دبي عام 1956، وانطلقت من “مركز شرطة نايف” التاريخي، قبل أن تنتقل إلى مقرها الحالي عام 1973. ومنذ ذلك الحين، شهدت الشرطة تطورًا هائلاً، لتصبح اليوم نموذجًا لمؤسسات الأمن الحديثة. هذا التحول لم يكن وليد الصدفة، بل هو ثمرة رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله”، ودعمه اللامحدود للشرطة.
لقد استثمرت شرطة دبي بشكل كبير في تطوير قدراتها، سواء من خلال التدريب والتأهيل المستمر لمنتسبيها، أو من خلال استخدام أحدث التقنيات في مجال الأمن. هذا الاستثمار لم يقتصر على الجانب التقني فحسب، بل شمل أيضًا الجانب البشري، من خلال تعزيز الثقة بين الشرطة والمجتمع.
الأمن في دبي: رافعة للنمو الاقتصادي
خلصت الدراسة إلى أن الأمن في دبي ليس مجرد عنصر اجتماعي ضروري، بل هو رافعة اقتصادية محورية تعزز مكانة الإمارة كوجهة جاذبة للعيش والعمل والاستثمار. اعتمدت الدراسة على تحليل اقتصادي قياسي شمل بيانات من 50 دولة بين عامي 1995 و2021، لتصل إلى هذه النتيجة الهامة.
مساهمة الأمن في الناتج المحلي الإجمالي
تشير الأرقام إلى أن انخفاض معدلات الجريمة في دبي ساهم في دعم الاقتصاد المحلي بما يتراوح بين 63.9 مليار و102.3 مليار درهم في عام 2024. وهذا يمثل نسبة تتراوح بين 14 و23 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للإمارة. وباعتبارها الركيزة الأساسية في منظومة الأمن والعدالة، فإن مساهمة شرطة دبي بشكل مباشر في الناتج المحلي الإجمالي تتراوح بين 31.8 مليار و50.9 مليار درهم سنويًا، أي ما يعادل 7 إلى 11 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي. هذه الأرقام تؤكد الدور الحيوي الذي تلعبه شرطة دبي في دفع عجلة التنمية الاقتصادية في الإمارة.
تعزيز السياحة والاستثمار الأجنبي المباشر
لم يقتصر تأثير الأمن في دبي على الاقتصاد بشكل عام، بل امتد ليشمل قطاعات حيوية مثل السياحة والاستثمار الأجنبي المباشر. فقد ساهمت بيئة الأمان في جذب ما بين 7 و12 مليون سائح إضافي سنويًا، وتقدر مساهمة شرطة دبي في هذا الرقم بنحو 4 إلى 6 ملايين سائح، وهو ما يمثل نسبة كبيرة تتراوح بين 19 و33 بالمئة من إجمالي عدد السياح.
بالإضافة إلى ذلك، لعب الأمن دورًا حاسمًا في تعزيز تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر. فقد ارتبطت بيئة الأمان بجذب استثمارات إضافية تتراوح بين 3.6 و5.8 مليار درهم في عام 2024. وتقدر مساهمة شرطة دبي في هذا الجانب بما بين 1.8 و2.9 مليار درهم، أي ما يعادل 1 إلى 2 بالمئة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية. هذا يدل على أن المستثمرين الأجانب يعتبرون دبي بيئة آمنة ومستقرة، مما يشجعهم على ضخ استثماراتهم في الإمارة.
دور شرطة دبي في تحقيق الأمن المجتمعي
لا يقتصر دور شرطة دبي على مكافحة الجريمة، بل يمتد ليشمل تعزيز الأمن المجتمعي من خلال مبادرات وبرامج توعوية تهدف إلى بناء الثقة بين الشرطة والمواطنين والمقيمين. تعتمد الشرطة على نهج استباقي في التعامل مع التحديات الأمنية، من خلال تحليل البيانات والتنبؤ بالمخاطر المحتملة واتخاذ الإجراءات اللازمة للوقاية منها.
استخدام التكنولوجيا المتقدمة
تولي شرطة دبي اهتمامًا خاصًا باستخدام التكنولوجيا المتقدمة في مجال الأمن، مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة. تساعد هذه التقنيات الشرطة على تحسين كفاءتها في مكافحة الجريمة، وتحديد المشتبه بهم، وتوفير خدمات أفضل للمجتمع. كما تستخدم الشرطة الطائرات بدون طيار (الدرون) في عمليات المراقبة والتفتيش، مما يساعد على تغطية مساحات واسعة بسرعة وفعالية.
الشراكة مع المجتمع
تؤمن شرطة دبي بأهمية الشراكة مع المجتمع في تحقيق الأمن والاستقرار. لذلك، تحرص الشرطة على التواصل المستمر مع المواطنين والمقيمين، والاستماع إلى آرائهم ومقترحاتهم، وإشراكهم في جهود مكافحة الجريمة. كما تنظم الشرطة فعاليات توعوية في المدارس والجامعات والمراكز التجارية، بهدف نشر الوعي الأمني بين أفراد المجتمع.
مستقبل الأمن في دبي
تتطلع شرطة دبي إلى مواصلة جهودها في تعزيز الأمن في دبي، من خلال الاستثمار في تطوير قدراتها، واستخدام أحدث التقنيات، وتعزيز الشراكة مع المجتمع. تهدف الشرطة إلى جعل دبي واحدة من أكثر المدن أمانًا في العالم، وتقديم خدمات أمنية متميزة للمواطنين والمقيمين والزوار. بالنظر إلى الإنجازات التي حققتها شرطة دبي حتى الآن، فمن المؤكد أنها ستنجح في تحقيق هذا الهدف الطموح.
في الختام، تؤكد هذه الدراسة أن الأمن ليس مجرد رفاهية، بل هو ضرورة حتمية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة. إن الأمن في دبي هو قصة نجاح تستحق أن تروى، وهو نموذج يحتذى به في جميع أنحاء العالم. ندعوكم لمشاركة هذا المقال مع المهتمين بشؤون الأمن والتنمية في دولة الإمارات العربية المتحدة، والتعبير عن آرائكم حول هذا الموضوع الهام.