الأردن يشهد ميلاد مشروع “مدينة عمرة” .. مستقبل التنمية الحضرية المستدامة
أطلق رئيس الوزراء الأردني، الدكتور جعفر حسان، مؤخرًا مشروع “مدينة عمرة”، الذي يمثل نقلة نوعية في مفهوم التنمية الحضرية في المملكة. يهدف هذا المشروع الطموح، الذي تمتد مراحله على مدار 25 عامًا، إلى توفير حلول مستدامة للنمو السكاني المتزايد وتخفيف الضغط على المدن الرئيسية، عمّان والزرقاء. تعتبر مدينة عمرة نموذجًا فريدًا يرتكز على الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ويعد بتغيير ملامح الخريطة العمرانية في الأردن.
رؤية استراتيجية لمواجهة التحديات السكانية
يشهد الأردن نموًا سكانيًا مطردًا، مما يضع ضغوطًا كبيرة على البنية التحتية والخدمات في المدن الكبرى. تشير التقديرات إلى أن عدد سكان عمّان والزرقاء قد يصل إلى 11 مليون نسمة خلال ربع قرن إذا استمر هذا النمو بوتيرته الحالية. لذا، جاء مشروع مدينة عمرة كاستجابة استراتيجية لهذه التحديات، وليس كبديل عن العاصمة أو مدينة إدارية جديدة، بل كمكمل يهدف إلى توزيع الكثافة السكانية وتلبية الاحتياجات المستقبلية.
تخفيف الضغط على عمّان والزرقاء
يُركز المشروع بشكل أساسي على توفير خيارات سكنية وخدمية متطورة لسكان عمّان والزرقاء، مما يتيح لهم فرصة العيش في بيئة حضرية حديثة ومستدامة. من خلال توفير بدائل سكنية جذابة، يأمل القائمون على المشروع في تخفيف الازدحام المروري والتلوث البيئي في المدينتين الرئيسيتين.
مراحل تطوير مدينة عمرة: رؤية بعيدة المدى
ينقسم مشروع مدينة عمرة إلى مراحل متعددة تمتد على مدى 25 عامًا، مما يضمن الاستمرارية والمرونة في التكيف مع المتغيرات المستقبلية. المرحلة الأولى، التي ستنطلق مطلع العام المقبل وتستمر حتى عام 2029، ستشمل تطوير 40 ألف دونم من أصل ما يقارب نصف مليون دونم مخصصة للمشروع. تتولى الشركة الأردنية لتطوير المدن والمرافق الحكومية مسؤولية متابعة وتسهيل مراحل الإنجاز، بالتعاون الوثيق مع القطاع الخاص.
استثمارات ضخمة في البنية التحتية والمرافق
تتضمن المرحلة الأولى استثمارات كبيرة في تطوير البنية التحتية والمرافق الأساسية، مثل شبكات الطرق والمياه والصرف الصحي والكهرباء. بالإضافة إلى ذلك، سيتم بناء مشاريع استثمارية كبرى، بما في ذلك مركز دولي للمعارض والمؤتمرات، ومدينة رياضية متكاملة، وحديقة بيئية واسعة، ومدينة ترفيهية حديثة. هذه المشاريع ستساهم بشكل كبير في تحفيز النمو الاقتصادي وتوفير فرص عمل جديدة.
مدينة خضراء تعتمد على التكنولوجيا المستدامة
يتبنى مشروع مدينة عمرة مفهوم “المدينة الخضراء”، حيث يتم التركيز على استخدام أحدث التقنيات البيئية والتكنولوجية لضمان الاستدامة والحفاظ على الموارد الطبيعية. يشمل ذلك الاعتماد على الطاقة النظيفة، وتطوير نظام نقل عام فعال، وتنفيذ مبادرات لإعادة التدوير وإدارة النفايات. كما سيتم تصميم المباني والمساحات العامة وفقًا لأعلى معايير الكفاءة في استخدام الطاقة والمياه.
دور الشباب في تصميم المدينة المستقبلية
إدراكًا لأهمية مشاركة الشباب في بناء مستقبل الأردن، تقرر تشكيل مجلس استشاري يضم نخبة من الشباب المبدعين في مجالات العمارة والفنون والبيئة والتكنولوجيا. سيعمل هذا المجلس على تقديم المشورة والتوجيهات للقائمين على المشروع، لضمان أن تعكس مدينة عمرة تطلعات وطموحات الجيل الشاب. كما سيتم تشجيع الشباب على المشاركة في تصميم وتنفيذ المشاريع المختلفة.
تمويل المشروع وتأثيره الاقتصادي
سيتم تمويل مشروع مدينة عمرة من خلال الاستثمار المحلي والأجنبي، بالإضافة إلى تخصيص أراضي من خزينة الدولة لصالح صندوق الاستثمار الأردني. من المتوقع أن توفر مشاريع المرحلة الأولى آلاف فرص العمل المباشرة في قطاعات المقاولات والبناء والتجارة والصناعات الإنشائية والنقل والسياحة. بالإضافة إلى ذلك، ستساهم هذه المشاريع في تحفيز النمو الاقتصادي وزيادة الإيرادات الحكومية.
ربط المدينة بشبكة النقل العام
سيتم ربط مدينة عمرة بمنظومة الباص سريع التردد (BRT) مع اكتمال المرحلة الأولى في نهاية عام 2029، مما يسهل حركة التنقل بين المدينة والمناطق المحيطة بها. هذا الربط سيساهم في تعزيز دور المدينة كمركز حيوي للسكن والعمل والتنقل، وزيادة تنافسيتها على المدى الطويل.
مستقبل الاستثمار والتوسع في المشروع
تخطط الحكومة الأردنية لدراسة فتح باب الاكتتاب العام جزئيًا بعد انتهاء المرحلة الأولى، لإتاحة الفرصة للمواطنين للاستفادة من هذا الاستثمار الوطني. كما سيتم تخصيص 10% من أراضي المشروع لصالح القوات المسلحة الأردنية، و20 ألف دونم لتطوير مشاريع إسكانية لموظفي الدولة والمتقاعدين. يقع المشروع على طرق دولية رئيسية تربط الأردن بدول الجوار، مما يجعله موقعًا استراتيجيًا للاستثمار والتنمية. إن مدينة عمرة ليست مجرد مشروع عمراني، بل هي رؤية متكاملة لمستقبل الأردن، ترتكز على الاستدامة والابتكار والمشاركة المجتمعية. وتعد بتوفير جودة حياة أفضل للمواطنين، وتعزيز النمو الاقتصادي، وترسيخ مكانة الأردن كمركز إقليمي رائد.
