في المرة الأخيرة التي اقتربت فيها الولايات المتحدة بشكل خطر من التخلف عن سداد ديونها، أبرم الرئيس السابق الديمقراطي، باراك أوباما، ورئيس مجلس النواب السابق، الجمهوري، جون بوينر في عام 2011، اتفاقاً لرفع حد الاقتراض في البلاد وتقييد نمو الإنفاق الفيدرالي لسنوات لاحقة، لتجنب التخلف عن السداد، لكن الخطة أعاقت جهود التعافي من الركود الذي عانته الولايات المتحدة خلال تلك الفترة.
ومن حيث المبدأ، فإن صفقة الديون الحالية التي وافق عليها الرئيس جو بايدن، ورئيس مجلس النواب، كيفن مكارثي، تعد أقل تقييداً من صفقة أوباما وبوينر التي تركزت على فترة عامين فقط من التخفيضات ووضع حدود للإنفاق، لكن الاقتصاد الذي يستوعب تلك التخفيضات بالميزانية، في حال أفضل بكثير من اقتصاد 2011.
ونتيجة لذلك يستبعد الاقتصاديون أن تُلحق اتفاقية بايدن ومكارثي، الضرر بجهود الانتعاش الاقتصادي الذي صنعته اتفاقية 2011.
ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن نائب وزير الخزانة السابق للسياسة الاقتصادية، بن هاريس، قوله: إن «التأثير الكلي للمفاوضات بين البيت الأبيض والكونغرس يبدو ضئيلاً في الاقتصاد».
وأوضح أن «أهم تأثير للاتفاقية هو الاستقرار، إذ يمكن للأسواق أن تعمل بعيداً عن أزمة سقف ديون كارثية تلوح في الأفق».
وكان بايدن أعرب عن ثقته في وقت سابق من الشهر الماضي، بأن أي صفقة لن تؤدي إلى انكماش اقتصادي، مبرراً ذلك جزئياً باستمرار النمو على مدار العامين الماضيين حتى مع انخفاض إجمالي الإنفاق الفيدرالي من مستويات فترة «كوفيد-19» المرتفعة، ما ساعد على تقليل العجز السنوي بمقدار 1.7 تريليون دولار العام الماضي.
ويتعين تمرير الاتفاق من حيث المبدأ في مجلسي النواب والشيوخ، حيث يواجه معارضة من أعضاء الكونغرس الأكثر ليبرالية ومحافظة، فهو يتجاوز حدود الإنفاق، بما في ذلك أيضاً متطلبات العمل الجديدة للمساعدات الحكومية، وجهود تسريع بعض مشروعات الطاقة.
لكن محور الصفقة هو تقييد الإنفاق، فقد وافق المفاوضون على إجراء تخفيضات طفيفة في الإنفاق التقديري من هذا العام إلى العام التالي، بعد أخذ بعض التعديلات المحاسبية في الاعتبار، حيث سيقلل الإنفاق الفيدرالي بنحو 55 مليار دولار العام المقبل، وبنحو 81 مليار دولار أخرى في عام 2025.
ويقول اقتصاديون إن الاقتصاد يمكن أن يستخدم جرعة خفيفة من التقشف المالي في الوقت الحالي، وذلك لأن أكبر مشكلة اقتصادية هي التضخم المستمر الذي كان مدفوعاً جزئياً بالإنفاق الاستهلاكي القوي.
وقد يساعد خفض بعض الإنفاق، مجلس الاحتياطي الفيدرالي الذي يحاول السيطرة على الأسعار من خلال رفع الفائدة.
ويعتبر الاقتصاديون أن زيادة الإنفاق الحكومي – إذا لم يتم تعويضه بزيادة الإيرادات الضريبية – بمثابة دفعة قصيرة الأجل للاقتصاد، وذلك لأن الحكومة تقترض الأموال لدفع الرواتب وشراء المعدات وتغطية الرعاية الصحية، وتقديم خدمات أخرى تدعم في النهاية إنفاق المستهلكين والنمو الاقتصادي.
ويمكن أن يساعد ذلك بشكل خاص في رفع الاقتصاد في الأوقات التي يكون فيها طلب المستهلك منخفضاً، مثل الوقت الذي يأتي عقب فترات الركود مباشرة.
يشار إلى أن صفقة الميزانية بين الجمهوريين وأوباما، خفضت الإنفاق التقديري الفيدرالي بنسبة 4% في السنة الأولى بعد الصفقة.
وفي العام الثاني خفضت الإنفاق بنسبة 5.5%، مقارنة بالتوقعات.
ومنذ ذلك الحين ألقى العديد من الاقتصاديين باللوم على الصفقة والإنفاق التحفيزي الضئيل للغاية في بداية الركود.
أما الاتفاق الأخير فيتضمن تخفيضات أصغر، لكن الفارق الأكبر حالياً هو الظروف الاقتصادية، حيث إن معدل البطالة 3.4%، والأسعار تنمو بأكثر من 4% سنوياً، وهي أعلى بكثير من المعدل المستهدف للاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%.
الإنفاق الفيدرالي سيقلل 55 مليار دولار العام المقبل و81 مليار دولار أخرى في 2025.