أثار تقرير حديث لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) مخاوف متزايدة بشأن التوسع العسكري الصيني، مؤكداً أن بكين تواصل تطوير قدراتها العسكرية بهدف واضح: “إعادة التوحيد مع تايوان بالقوة الغاشمة”. يأتي هذا التحذير في وقت تشتد فيه التوترات بين الصين والولايات المتحدة، وتتهم فيه بكين واشنطن بتصعيد الموقف من خلال صفقات الأسلحة مع تايوان. هذا التقرير، الذي يركز بشكل أساسي على التهديد الذي تشكله الصين، يلقي الضوء على الاستعدادات العسكرية المتسارعة لبكين، ويضع تايوان في قلب هذه المعادلة.
صفقات الأسلحة الأمريكية ورد فعل الصين
في الأسبوع الماضي، وافقت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على حزمة مبيعات أسلحة ضخمة لتايوان بقيمة 11.1 مليار دولار. وشملت هذه الحزمة منصات إطلاق صواريخ محمولة على شاحنات، وصواريخ مضادة للدبابات، وقطع مدفعية متطورة، بالإضافة إلى طائرات مُسيرة حديثة. ردت الصين بغضب على هذه الصفقة، حيث انتقد المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية تشانغ شياو قانج بشدة ما وصفه بـ”الاستفزازات” الأمريكية، مطالباً بوقفها وتصحيح “الأفعال الخاطئة”. وأضاف أن هذه الصفقة “تسرع من خطر اندلاع حرب في مضيق تايوان”.
تقييم البنتاجون للقدرات العسكرية الصينية
لا يقتصر الأمر على رد الفعل الصيني، بل يؤكد تقرير البنتاجون أن الصين تحرز تقدماً ملحوظاً في تطوير أسلحتها وتوسيع نطاق قدرات قواتها المسلحة، خاصة فيما يتعلق بالعمليات العسكرية بعيدة المدى، بما في ذلك تلك التي تستهدف تايوان. على الرغم من إصرار الجيش الصيني على امتلاك القدرات اللازمة للاستيلاء على الجزيرة بالقوة بحلول عام 2027، إلا أن التقرير يشير إلى أن بكين كانت حتى العام الماضي “غير متأكدة” من قدرتها الفعلية على “غزو تايوان والسيطرة عليها”.
تعديلات عسكرية مستمرة
يؤكد تقرير البنتاجون أن “الجيش الصيني يواصل إجراء تعديلات على خيارات عسكرية متعددة لفرض توحيد تايوان بالقوة الغاشمة”. ومع ذلك، يوضح التقرير أن القادة الصينيين “لا يزالون غير واثقين من جاهزية الجيش للنجاح في السيطرة على تايوان”. هذا الشك يعكس التحديات اللوجستية والعسكرية الكبيرة التي تواجه أي عملية عسكرية ضد تايوان، والتي تتمتع بدعم عسكري ولوجستي كبير من الولايات المتحدة.
“جس النبض” الصيني وتصعيد التوترات
بالإضافة إلى الاستعدادات العسكرية، يشير التقرير إلى أن الصين كثفت من عمليات “جس النبض” بالقرب من الحدود الجوية والبحرية لتايوان منذ عام 2023. وقد ارتفع النشاط داخل منطقة تحديد الدفاع الجوي التايوانية بأكثر من 60%، حيث سجلت 1703 حادثة في عام 2023، وارتفعت إلى 2771 حادثة في العام الماضي. كما كثفت السفن الحربية الصينية عملياتها في مضيق تايوان، مما يزيد من حدة التوترات في المنطقة. هذه التحركات تعتبر بمثابة إشارات لبكين حول قدراتها العسكرية واستعدادها للعمل.
الترسانة النووية الصينية
لم يقتصر تقرير البنتاجون على التهديد التقليدي، بل سلط الضوء أيضاً على التوسع النووي الصيني. ويقدر التقرير أن الصين تمتلك الآن مخزوناً يزيد على 600 رأس نووي، على الرغم من أن وتيرة بنائها تبدو أبطأ من السنوات الأخيرة. ومع ذلك، تشير التوقعات إلى أن الصين ستواصل “توسعها النووي الضخم”، ومن المتوقع أن تصل إلى أكثر من ألف رأس نووي بحلول عام 2030. هذا التوسع يثير قلقاً بالغاً في واشنطن، حيث يعتبر “الحشد العسكري التاريخي للصين” تهديداً للأراضي الأمريكية.
استراتيجية الولايات المتحدة والغموض الاستراتيجي
تتبع السياسة الأمريكية تجاه مطالبة الصين بالسيادة على تايوان ما يسمى بـ”الغموض الاستراتيجي”. تهدف هذه السياسة إلى إبقاء بكين في حالة “عدم يقين” بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتدخل عسكرياً بشكل مباشر في حال اندلاع صراع، وفي الوقت نفسه كبح تايوان عن إعلان الاستقلال رسمياً، وهو ما قد يستفز هجوماً صينياً. ومع ذلك، يثير هذا النهج انتقادات من كلا الجانبين، حيث يرى البعض أنه غير كافٍ لردع الصين، بينما يخشى آخرون أنه قد يدفع تايوان إلى اتخاذ خطوات استفزازية.
مستقبل العلاقات الأمريكية الصينية
على الرغم من التوترات المتزايدة، يبدو الرئيس ترمب مصمماً على تعميق العلاقات مع الرئيس الصيني شي جين بينج، حيث يستعد الجانبان لعقد قمة في أبريل المقبل. في الوقت نفسه، تسعى الإدارة الأمريكية إلى توسيع نطاق الاتصالات العسكرية المباشرة مع الصين، إلى جانب وسائل أخرى لتوضيح “نواياها السلمية”. يبقى السؤال مفتوحاً حول ما إذا كانت هذه الجهود ستنجح في تخفيف التوترات ومنع تصعيد الموقف في مضيق تايوان. مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، وخاصة فيما يتعلق بمسألة تايوان، سيظل حاسماً للاستقرار الإقليمي والعالمي.
اقرأ أيضاً: تقديرات “حرب تايوان”.. خسائر تريليونية وانهيار طرق التجارة العالمية
اقرأ أيضاً: تحليل معمق للقدرات العسكرية الصينية وتأثيرها على الأمن الإقليمي
في الختام، يمثل التقرير الصادر عن البنتاجون تحذيراً جاداً بشأن التهديد المتزايد الذي تشكله الصين على تايوان والاستقرار الإقليمي. من خلال الاستمرار في تطوير قدراتها العسكرية، وإجراء مناورات استفزازية، وتوسيع ترسانتها النووية، تزيد الصين من الضغوط على تايوان والولايات المتحدة. من الضروري أن تستمر الولايات المتحدة في دعم تايوان وتعزيز ردعها، مع العمل في الوقت نفسه على إيجاد حلول دبلوماسية لتخفيف التوترات ومنع اندلاع صراع مدمر.
