قياس مدى نجاح رواد الأعمال اليوم لم يعد قائمًا على عدد ساعات عملهم الطويلة التي يقضيها كل منهم أمام شاشات الحاسب الآلي، وهذا تمامًا ما تشير إليه مقالة نشرتها مجلة فوربس الاقتصادية، للكاتبة جودي كوك، حيث تصف المقالة المشهد المعروف لرواد الأعمال الذين يقضون ساعات طويلة في العمل دون توقف، ورغم ذلك يشعر البعض منهم بأن النتائج قد تهرب من بين يديه؛ حيث تلفت المقالة إلى أن إلى المشكلة تكمن ليس في قلة العمل وضعف الجهد المبذول، بل في الاتجاه الخاطئ.
كما ولفتت المقالة إلى أن ما بين 60_%70% من ساعات عمل رواد الأعمال قد يتم قضاؤها في مهام ذات قيمة منخفضة، وأشارت دراسة جديدة في علوم الإدارة إلى تجاوز العمل لأكثر من 55 ساعة في الأسبوع لا يؤدي في نهاية المطاف إلى رفع الإنتاجية، بل إلى تخفيض القدرات المعرفية واتخاذ قرار ذات جودة منخفضة. إضافة إلى أن الإجهاد الكبير قد يؤدي في النهاية إلى ضعف الوظائف التنفيذية للدماغ بنسبة تزيد عن 60%، بمعنى أخر أن ساعات العمل الطويلة قد تكون انطباعًا للإنجاز، لكنها في الوقت ذاته مؤشر على ضعف الجوهر.
ساعات عمل أقل وقرارات ذكية وعميقة
بحسب مجلة العمل التنظيمي التابعة لجامعة مينيسوتا الأمريكية، قدمت نموذجًا مغاير، حيث أفادت بأن ساعات العمل القصيرة المكثفة تفوقت على العمل الطويل الموزع. حيث يقول الباحثون هنا أن الدماغ يصل لقمة الإنتاجية من خلال تعزيز التركيز لمدة لا تزيد عن ساعة ونصف، وبعدها يبدأ الدماغ بالتراجع في قدراته التحليلية بشكل تدريجي. مشيرون في ذلك إلى مفهوم الذكاء المالي؛ ليؤكدوا على أن بناء الثروات واتخاذ القرارات الصائبة يعتمد على الذكاء في اتخاذ المسار الصحيح؛ لا على قضاء ساعات طويلة في العمل، حيث يركز رواد الأعمال في اختيار الاستراتيجيات الأمثل؛ لتحقيق نتائج مرضة بجهد أقل من خلال استثمار الوقت في أداء المهام التي قد تحدث فروقات في النمو، وهنا يأتي دور ما يعرف بالذكاء المالي، باعتباره بوصلة تساعد رواد الأعمال على توجيه مواردهم بشكل دقيق، ومعرفة الطريقة الأمثل لتخصيص الأموال بما يعزز العوائد المالية ويقلل من المخاطر، كما ويتيح مفهوم الذكاء المالي إمكانية قراءة الفرص وتحويل الأفكار الصغير لمصادر دخل مستدامة، وبذلك، ينجح رواد الأعمال بالعمل لساعات قليلة واتخاذ قرارات أكثر دقة ومنطقية.
حماية زمنية دقيقة
في تقرير نشره معهد الإدارة الدولي حول خطورة المقاطعات على جودة العمل، يقول بأن المدير يتعرض يوميًا لمقاطعات قد تقطع أطراف التفكير وتحد من تشكيل الأفكار العميقة، علاوة على أن استعادة التركيز بعد المقاطعة يحتاج إلى نحو 20 دقيقة؛ الأمر الذي يجعل العمل المتواصل أشبه بالمستحيل في ظل غياب الحماية الزمنية الدقيقة.
وهنا يأتي دور مجلة فوربس التي تقول في تقريرها بأن المدير الذي يتيح للعاملين من حوله بمقاطعته، كمن يسمح لهم بتشكيل مستقبل الشركة؛ لذلك ينصح الخبراء بضرورة خلق ساعات سيادية، بحيث تكون فيها جميع الأبواب مغلقة، حت باب الهاتف المحمول.
الراحة استراتيجية عمل
الراحة ليست ثغرة في البناء العملي، بل هي جزءً منه، حيث تقول دراسة نشرتها جامعة ستانفورد صادرة عن مركز علوم الأعصاب، بأن الدماغ يعمل على ابتكار حلول معقدة أثناء فترة الشرود الذهني، أكثر مما يقدمه الدماغ أثناء العمل بتركيز.
وتضيف الدراسة إلى أن الشبكة العصبية المسؤولة عن الإبداع، والتي تعرف بشبكة الوضع الافتراضي، تعمل بكفاءة عالية خلال المشي أو الاستحمام، أو قبل النوم، لذلك، يقال بأن الأفكار الكبيرة تأتي عند التوقف عن التفكير بها.
وفي حياتنا اليومية، تقول فوربس بأن رائد الأعمال الناجح يعتبر الراحة جزءًا من خططه اليومية، حيث أن النوم بشكل عميق يضاعف قدرة العاملين على حل المشكلات بنسبة تتجاوز الـ 50%، كما تسهم في تنظيم مناطق الدماغ المسؤولة عن العمل التنفيذي والذاكرة.
الصمت قبل اتخاذ قرارات استراتيجية
الصمت ليس عملية تأمل فقط، بل هي لحظة قصيرة خالية من المشتتات والضجيج، حيث تفيد دراسة صادرة عن مركز اليقظة الذهنية إلى أن عدة دقائق في اليوم تقلق من التوتر الفيسيولوجي وتزيد من إمكانية جعل القرارات واضحة بنسبة لا تزيد عن 30%.
ويوضح المركز بأن العقل بحاجة إلى مناطق غير مأهولة؛ لإعادة ترتيب الفوضى الداخلية، وأن الصمت القصير قبل اتخاذ أي قرار استراتيجي؛ قادر على تغير اتجاه ومسار الشركة بنسبة تزيد عن 97%.
الذكاء الاصطناعي ودوره في ريادة الأعمال
لا يمكن الحديث عن زيادة النتائج دون ربط ذلك بتقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث ساهمت هذه التقنيات في تخفيض الزمن المطلوب لتنفيذ المهام بشكل كبير بنسبة تزيد عن 43%، بدءً من الرسائل الأولية، مرورًا بتنسيق البريد الإلكتروني وتنسيق الاجتماعات، وصولًا إلى تحليل المعلومات الآلية.
حيث ساهمت أيضًا هذه التقنيات في عمليات البحث العملي والتحليل الاستشاري وحماية الأفكار وصياغة الخطط، لتؤكد مرة أخرى بأن العمل القليل بذكاء لا يعتبر كسلًا بقدر ما يعد أسلوب عمل جديد يأخذ بيد رواد الأعمال لأداء مهامهم وصناعة أثر من خلال اتخاذ قرارات صحيحة تعزز الإنتاجية وتأخذ الشركة إلى مسار النجاح وتحقق الأهداف المرجوة بدقة عالية دون التأثير على الحياة اليومية واستهلاكها.
