هل يجوز أخذ شيء من الشعر للمضحي حيث تعد الأضحية شعيرة من شعائر المسلمين، والتي تأتى في ظل هرولة عباد الرحمن في سباق الأجر لنيل رضا الرحمن، فيعمدون على نحر الأضاحي تقربًا لله عز وجل وابتغاء مرضاته، لكنها تأتى مشروطة، وعلى المضحى أن يلتزم بحدودها كي يمن الله عليه بالقبول.
هل يجوز أخذ شيء من الشعر للمضحى
لا يجوز الأخذ بشيء من شعر المضحي، فقد استند الفقهاء في إجابتهم على هذا السؤال إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من أراد أن يضحي فلا يأخذ شيئًا سواء كان حاجً أو ليس بحاج، من أراد أن يضحي فإنه لا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئًا، لا من رأسه، ولا من بقية بدنه، لا من إبطه، ولا من عانته، ولا من شاربه، ولا من رأسه، حتى يضحي بعد دخول شهر ذي الحجة.
فإذا دخل الشهر؛ حرم على الذي ينوى الأضحية من رجال أو نساء أخذ شيء من الشعر أو الظفر أو البشرة، من جميع البدن، سواء كان شعر الرأس أو من الشارب أو من العانة الشعرة أو من الإبط أو من بقية البدن، هذا على الذكور والإناث إذا أرادوا أن يضحوا الأضحية الشرعية عن نفسه وأهل بيته عن أبيه عن أمه، هذه الأضحية لا يأخذ معها شيئًا حتى يضحي، أما إذا كان هو يضحي من ماله عن نفسه أو عن والديه، أو عنه وعن أهل بيته جميعًا وهو الأفضل إذا كان عنه وعن أهل بيته لا يخص الوالدين وحدهم، بل يضيف نفسه معهم، عن فلان ووالديه، عن فلان وأهل بيته، عن فلان وزوجته فلانة.
هل يجوز للمضحى أن يأخذ من شعره قبل أن يضحي لعذر
من المعلوم أن هناك أعذار تبطل الأحكام ولا حرج على صاحب العذر مخالفة الأمر، لكن ذلك يستوجب كون العذر يحول دون الالتزام بالحكم، فأصل الأمر عدم الأخذ من الشعر اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن إن كانت هناك موانع أي أن المضحى مريض وهناك ضرر من عدم تقصير شعره أو تقليم أظافره، هنا تسقط عنه هذه السنة.
ورأى الشافعية والمالكية ذهب إلى أنه يسن لمن يريد التضحية ولمن يعلم أن غيره يضحي عنه ألا يزيل شيئًا من شعر رأسه أو بدنه بحلق أو قص أو غيرهما، ولا شيئا من أظفاره بتقليم أو غيره، ولا شيئًا من بشرته، وذلك من ليلة اليوم الأول من ذي الحجة إلى الفراغ من ذبح الأضحية إلا من وقع في الحرج فهو خارج هذا الإطار، لكن هذه الأمور لا تتبع الهوى، فهي تتبع ضوابط أقرها جمهور أهل العلم:
- أخذ المضحي من شعره وظفره وبشرته، مسألة خلافية بين أهل العلم، والمرجح في الموقع: أنه لا يجوز الأخذ من الشعر والظفر والبشرة لمن أراد أن يضحي؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ)، وفي لفظ آخر لمسلم: (إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا).
- إذا كان ترك الأخذ من شعر الشارب يسبب شينا ظاهرًا، أو أذى وحرجًا؛ لوجود موضع لا ينبت فيه الشعر، فالذي يظهر –والله أعلم– أنه يجوز لك في هذه الحال الأخذ من شعر الشارب؛ دفعًا للحرج.
- قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “من احتاج إلى أخذ الشعر والظفر والبشرة، فأخذها فلا حرج عليه مثل: أن يكون به جرح، فيحتاج إلى قص الشعر عنه، أو ينكسر ظفره، فيؤذيه فيقص ما يتأذى به، أو تتدلى قشرة من جلده، فتؤذيه فيقصها.
سبب عدم قص الشعر والأظافر للمضحى
نبّه بعض أهل العلم إلى الحكمة من نهي المضحّي عن أخذ شيءٍ من شعره أو أظافره، فأجمع الفقهاء على أن الحكمة في النهي عن ذلك تظهر في بقاء كامل أجزاء جسم الإنسان لتُعتق من النار، وقالوا إنّ المضحّي يجعل أُضحيته فداءً لنفسه من العذاب، فكأنّه يرى نفسه مستوجبةً للعقاب بالقتل، والقتل غير مأذونٍ فيه، ففدى نفسه بالأُضحية، حيث صار كُلّ جزءٍ منها فداءً لكُلّ جزءٍ منه، ولذا فهو منهيٌّ عن الأخذ من الشعر والبشر حتى لا يفقد بذلك جزءًا عند تنزّل الرحمة وفيضان النور الربانيّ الذي تُتمّ له به الفضائل ويُنزّه به عن الرذائل.
أقوال العلماء في أخذ الشعر للمضحى
كعادة أهل العلم تفاوتت آراء الأئمة حول هذه المسألة لكنهم أجمعوا على مدى فرضيتها والحالات التي تستثنى منها وأهم أراءهم:
- جواز الأخذ، وبه قال أبو حنيفة وصاحباه.
- يستحب عدم الأخذ، وقال به بعض متأخري الحنفية.
- يُكره الأخذ، وقال به الشافعية، ورواية عن الإمام مالك، وبعض الحنابلة، لما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضيَ الله عنها: (أنا فتلتُ قلائدَ هديِ رسولِ اللهِ صلى الله عليهِ وسلم بيدَيَّ، ثم قلَّدَها رسولُ الله صلى الله عليهِ وسلمَ بيدَيهِ، ثم بَعَثَ بها مَعَ أبي، فلم يَحرُم على رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ شيءٌ أحَلَّهُ اللهُ لهُ، حتى نُحِرَ الهديُ).
- يحرم الأخذ، وقال به ربيعة، وإسحاق، والإمام أحمد، وداود، وبعض الشافعية، ورجَّحه ابن القيم واللجنة الدائمة للإفتاء وابن باز وابن عثيمين رحمهم الله، لما رواه سعيد بن المسيب، عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (إذا رأيتُم هلالَ ذي الحجَّةِ، وأرادَ أحدُكُم أن يُضحِّيَ، فليُمسك عن شَعْرِهِ وأظفارِهِ) أخرجه مسلم في صحيحه، وفي رواية لمسلم أيضًا: (مَن كان له ذِبحٌ يَذبَحُهُ فإذا أُهلَّ هلالُ ذي الحِجَّةِ، فلا يَأخُذَنَّ من شَعْرِهِ، ولا من أظفَارِهِ شيئًا حتى يُضحِّيَ).
فعلى من أراد أن يضحي الكف عن قص أظافره وحلق شعره حتى يذبح أضحيته، لما في صحيح مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظافره، وفي رواية عنها “فلا يأخذن شعرًا ولا يقلمن ظفرًا”.
فإن فعل شيئًا من ذلك فعليه أن يستغفر الله تعالى وليست عليه فدية، خصوصًا إذا كان محتاجًا إلى ذلك لطول أظافره طولًا فاحشًا مثلًا، على أن من أهل العلم من حمل النهي عن الأخذ من الأظافر والشعر خلال هذه المدة على الكراهة فقط، كالمالكية.
وقد كان يجدر بمن أراد الأضحية أن يتعهد أظافره قبل إهلال هلال ذي الحجة، ويتعهد ما أذن له فيه شرعًا من إزالة ما يحتاج إلى إزالته من شعر أو ظفر.
هل قص الشعر يبطل الأضحية
تتوارد إلى أذهان الكثيرين خاطرة أنه من أخطأ ولم يلتزم بالكف عن تقصير الشعر قرابة حلول الأضحية فإن ذلك يبطلها، لكن الجواب لا ربما يأثم لكونه خالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرض عنها لكنها لا تلقى بأثر على الأضحية مادامت تحتفظ بشروطها التي نص عليها دليل السنة وجاء شرح الحديث الشريف “إذَا رَأَيْتُمْ هِلالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ”، كما أوضحت دار الافتاء المراد منه بقولها: أجمع جمهور العلماء على أن الأمر بالإمساك عن الشعر والأظافر في هذا الحديث محمول على الندب والاستحباب، لا على الحتم والإيجاب، بمعنى أن من أراد أن يضحي فإنه يُكره له الأخذ من شعره وأظفاره وكذا من سائر جسده، فإن فعل لا يكون آثمًا، إنما هو تارك للفضيلة فحسب.
أما من أراد الحج متمتعًا ولم يرد التضحية فإنه لا يُكره له الأخذ من شعره وأظفاره وسائر بدنه ما لم يُحرِم؛ لأن الأضحية تختلف عن هدي التمتع، فإذا دخل في الإحرام حَرُم عليه ذلك من حيث إنه من محظورات الإحرام، فإذا قضى عمرته وتحلل من إحرامه جاز له كل ما كان حرامًا عليه حال إحرامه بما في ذلك ما ورد في السؤال من أخذ شيء من شعره أو أظافره حتى يُحرِم مرة أخرى بالحج، فيعود ذلك كله محظورًا عليه، فإذا أراد أن يجمع بين دم التمتع ودم الأضحية فيُسن له كما سبق الإمساك عن الأخذ من أشعاره وأظافره من أول ذي الحجة إلى أن يضحي، وحتى يُحَصِّلَ هذه السُّنَّةَ فعليه ألا يأخذ منها بعد تحلله من عمرة التمتع، باستثناء قص ما يحتاج إليه لإكمال نسك العمرة.
وإنما سنَّ رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم للمُضَحِّي ذلك؛ ليكون متشبهًا بالحجيج في إمساكهم عن المذكور، فتتوحد الأمة قدر الإمكان في عبادتها ومناسكها ويتسلَّى قلب من حُرِم من الذهاب ببدنه للمشاعر المقدسة، ولتهفو روحه لها فيحج بروحه ما لم يحجه ببدنه.
وفي النهاية نكون قد عرفنا هل يجوز أخذ شيء من الشعر للمضحى حيث تناقل السلف سنن الرسول صلى الله عليه وسلم في الأضاحي، فتوارثنا منه أحكام الأضاحي وسننها ومنها عدم قص الشعر والأظافر للمضحى