من هو مؤلف ملحمة الغدير هو أحد أشهر الشعراء العرب، الذين نظموا أروع القصائد في مديح ورثاء وذكر سيرة أهل البيت عليهم السلام، في ديوانه الذي حمل عنوان (عيد الغدير)، وقد أطلق النّقاد والباحثون هذه التّسمية على هذا الديوان نسبةً إلى رائعته – ملحمة الغدير – التي هي بحق عملٌ عبقريّ متفرّد، من الجدير أن يلقى الاهتمام من وزارات التّعليم، ويدرَج في مناهج اللّغة العربيّة على امتداد الوطن العربيّ.
من هو مؤلف ملحمة الغدير
مؤلف ملحمة الغدير هو بولس سلامة الشّاعر والأديب اللبنانيّ الكبير، الذي تفرّد بين أدباء العرب وكتب أوّل ملحمة عربيّة مطوّلة عام 1984م، والتي تُعرف أيضاً بـ(عيد الغدير)، وبالرغم من ظروفه الصحيّة القاسية فقد كتب ملحمة عيد الغدير وهو طريح الفراش، إلّا أنّها تُضاهي في شكلها، وأسلوب سرد وقائعها، ورشاقة نسج أبياتها، ملاحم الغرب بكلّ عظمتها.
نبذة عن حياة بولس سلامة
ولد الشّاعر بولس سلامة عام 1902 م في لبنان، في قرية بتدين اللّقش التّابعة لقضاء جزّين، وتنقّل في عدّة مدارس، وقرأ الإنجيل والتّوراة والقرآن الكريم، وأعُجب بنهج البلاغة، وكتب الجاحظ، وابن المقفع، ودرس التّاريخ والفلسفة، ودرس الحقوق في الجامعة اليسوعيّة، وعمل حاكماً صلحيّاً، وأصبح قاضياً للتّحقيق في طرابلس، أصابه المرض، وأُحيل إلى التقاعد، وأَلزمه مرضه الفراش مدّة أربعين سنة، وتعرّض فيها لأكثر من عشرين عمليّة جراحيّة، ورحل بتاريخ 14 تشرين الأوّل/ أكتوبر عام 1979 م. [1]
أعمال بولس سلامة
للكاتب بولس سلامة عدّة كتب، في النثر والشعر، وهي: [2]
في النثر
ونذكر منها: مذكّرات جريح، حكاية عمر، خبز وملح، تحت السنديانة، الصراع في الوجود، في ذلك الزمان، حديث العشيّة، مع المسيح، من شرفتي، ليالي الفندق.
في الشعر
ونذكر منها: عليّ والحسين، الأمير بشير، عيد الستّين، فلسطين وأخواتها، وملحمة عيد الغدير.
ملحمة الغدير
تُعتبر “ملحمة الغدير” للشّاعر بولس سلامة – وبإجماع النّقاد – أوّل ملحمة في تاريخ الأدب العربيّ، وقد بدأ بكتابتها عام 1947 م استجابةً لطلب الإمام السيّد عبد الحسين شرف الدين، حيث أنهاها عام 1948 م، وقد كتبها وهو طريح فراش الألم والمعاناة، وتتناول هذه الملحمة أهمّ نواحي التّاريخ الإسلاميّ، منذ بدايته وحتّى نهاية العصر الأمويّ، وتتعلّق الملحمة بسيرة أهل البيت، من الجاهليّة إلى ختام مأساة كربلاء. يقول الكاتب أنّه قد اعتمد في كتابتها على دراسة المراجع التاريخيّة من الثّقات، وبالرجوع إلى العلّامة الأمينيّ. تتأّلف هذه الملحمة من أكثر من ثلاثة آلاف بيت من البحر الخفيف، وهي تتوزّع على سبعة وأربعين فصلا،ً بدايتها قصيدة بعنوان (صلاة)، يتحدّث فيها عن معاناته مع المرض، ويبتهل إلى الله أن يمدّه بالقوّة والعزيمة والشفاء، ويختمها بمديح الإمام عليّ عليه السلام أمير البيان، ويقول فيها: [1]
يا مليك الحياة أنزل عليّا
عزمة منك تبعث الصخر حيّا
جود كفّيك إن تشأ يملأ العيـ
ـش نماءً ويفرش الجدب فيّا
طال في منقع العذاب مقامي
واستراح الشقاء في مقلتيّا
فنسيت النهار من طول ليلي
أترى الليل شرعك الأبديّا؟
إنّ حظّي من الحياة سرير
صار منّي فلم يعد خشبيّا
باسم زين العصور بعد نبيٍّ
نوّر الشرق كوكباً هاشميّاً
كان ربّ الكلام من بعد طه
وأخاه وصهره والوصيّا
بطل السيف والتقى والسجايا
ما رأت مثله الرماح كميّا
يا سماء اشهدي ويا أرض قرّي
واخشعي أنّني أردت عليّا
دراسة ملحمة الغدير
نستخلص من قراءتنا لملحمة عيد الغدير مجموعة من الأفكار، وهي: [1]
- التأكيد على أنّ التّاريخ هو مادّة العمل الملحمي، ولا ضير أن تكون الملحمة ناقلة للحقيقة التاريخيّة بصدق وأمانة.
- ارتفاع العمل الملحمي عن الحدث اليوميّ إلى العمل الخارق من دون أن يصل إلى الأوهام.
- تلوّن الملحمة بجميع الاتّجاهات المذهبيّة في الفنّ، على أن الكلاسيكيّة، وهي (التقيّد بالأساليب الماضية) هي أبرز ما فيها.
- الابتعاد عن السرد الجافّ الذي يُميت الشاعريّة.
- عدم تخلّي الشّاعر عن شخصيّته، مع الابتعاد عن التأثّر بالشعور الذاتيّ.
- اتّباع المنهج القديم في وحدة الوزن؛ لتأكيد النفس الشعري الطويل الذي يمتاز به الشاعر، وعدم التخلّي السريع عن الروي، حتّى وإن بلغ مئات القوافي.
أقوال بولس سلامة في الملحمة
لبولس سلامة عدّة أقوال حول ملحمة الغدير، وطريقة تأليفه، والمراجع التي استند عليها، ونذكر منها على سبيل المثال: [1] [2]
- “ولمّا عزمت على النظم انصرفت إلى درس المراجع التاريخيّة، ولكنّني – قطعاً للظن والشبهات – قلّما اعتمدت مؤرّخي الشيعة، بل الثقات من أهل السنّة الذين عصمهم الله من فتنة الأُمويين”.
- “ولقد جعلت للكتاب هامشاً يسهّل للقراء – وعلى الأخصّ غير المسلمين منهم – تفهّم الكتاب، ولم أُفسّر من الألفاظ إلّا عسيرها، ولقد تنكّبت عن استعمال الغريب”.
- “وقد استغرق تأليف هذا الكتاب ستة أشهر، ثلاثة منها لدرس الموضوع تاريخيّاً، وثلاثة للنظم”.
- “ولربّ معترضٍ يقول: ما بال هذا المسيحي يتصدّى لملحمة إسلامیّة بحتة؟ أجل، إنّني مسیحي، ولکنّ التاریخ مشاع للعالمین. أجل، إنّي مسیحي ینظر من أُفق رحب لا من کوّة ضیقة، فیری في غاندي الوثني قدّیساً، مسیحي یری الخلق کلّهم عیال الله، ویری أن لا فضل لعربي علی عجمي إلّا بالتقوی”.
- وجاء في مقدمته مخاطباً الإمام الأمينيّ: “والأدلّة علی عظمة أمیر المؤمنین – بل أمیر العرب – لَأجلّ من أن تحصی، وشأن من یحاول حصرها شأن من یبغي التقاط أشعّة الشمس، وإنّني لأکتفي بواحدة منها في هذه الرسالة، وهو أن یتلاقی علی حبّ أهل البیت عليهم السلام رجلان: أحدهما شیعي جلیل، وقف قلمه منذ خمس عشرة سنة علی خدمة الحقّ، ولمّا یزل، وهو أنت، وثانیهما هو هذا المسیحي العاجز، الذي جاء في الزمن الأخیر”.
- “اللهم لئن شللتني عن الحركـة وعزلتني عن العالم الخارجي، فشلّ قلبي عن الخطيئة، واعزلني عن السيئات، وليكن هـذا المطهر اليسير بديلاً عن مطهرك العادل، فأكــون قــد أسلفت في هـذه الدنيا بعضاً من حساب الآخـرة، ولترجـح كفة الرحمـة على كفة العـدل”.
وهكذا بتعريفنا من هو مؤلف ملحمة الغدير أولى الملاحم في الأدب العربيّ وهو بولس سلامة، هذا الشاعر المقعد الجسم، حبيس الفراش، مجنّح الفكر، طليق القريحة، ولا أجمل أن أختم مقالي وأقتبس رأي لأحد أئمّة العلماء إذ قال: “من يشاء أن يؤلّف في النحو بعد سيبويه فليستحِ، أجل فليستحِ أيضاً أولئك الذين يسمّون كراريسهم ملاحم بعد سلامة”.