أصدرت حكومة الإمارات مؤخرًا مرسومًا بقانون اتحادي هام يتعلق بـ حوكمة المنهاج التعليمي الوطني، يمثل نقلة نوعية في منظومة التعليم الإماراتية. يهدف هذا القانون إلى تنظيم وتطوير العملية التعليمية بشكل شامل، وضمان جودة التعليم ومواكبته لمتطلبات المستقبل. هذا التشريع الجديد يضع لأول مرة إطارًا قانونيًا متكاملًا يغطي جميع جوانب تصميم واعتماد وتطبيق ومراجعة المنهاج، مما يعزز مكانة الإمارات كمركز رائد للتعليم والابتكار.
ما هو المرسوم بقانون الاتحادي بشأن حوكمة المنهاج التعليمي الوطني؟
يمثل هذا المرسوم خطوة استراتيجية نحو بناء نظام تعليمي متين ومرن، قادر على إعداد أجيال مؤهلة للمساهمة الفعالة في مسيرة التنمية الشاملة. يهدف القانون إلى تحقيق التكامل والتنسيق بين جميع الجهات المعنية بالتعليم، سواء كانت اتحادية أو محلية، مع التركيز على الشفافية والمساءلة والمشاركة المجتمعية. كما يراعي القانون أهمية الموازنة بين الاستقرار والمرونة في المنهاج التعليمي الوطني، لضمان استجابته للتغيرات المستقبلية واحتياجات سوق العمل المتطورة.
أهداف المرسوم وأهميتها الاستراتيجية
الهدف الرئيسي من هذا القانون هو الارتقاء بجودة التعليم في دولة الإمارات. ويتحقق ذلك من خلال عدة آليات، أهمها:
- تحديث المحتوى التعليمي: ضمان أن المحتوى التعليمي يتوافق مع أحدث المستجدات العلمية والتكنولوجية، ويلبي احتياجات الطلاب في مختلف المراحل الدراسية.
- تعزيز التنافسية: رفع مستوى قطاع التعليم الإماراتي لينافس أفضل النظم التعليمية العالمية، وجذب الكفاءات المتميزة.
- إعداد الكفاءات الوطنية: تزويد الطلاب بالمهارات والمعارف اللازمة للاندماج الفعال في المجتمع والاقتصاد، على المستويين المحلي والدولي.
- تطوير الهوية الوطنية: تعزيز الهوية والقيم الإماراتية الأصيلة لدى الطلاب، وغرس الانتماء والولاء للوطن.
نطاق تطبيق القانون: من رياض الأطفال إلى الصف الثاني عشر
يسري هذا القانون على جميع المؤسسات التعليمية، الحكومية والخاصة، التي تعتمد المنهاج التعليمي الوطني في جميع المراحل الدراسية، بدءًا من مرحلة رياض الأطفال وصولًا إلى الصف الثاني عشر. ولم يقتصر القانون على المدارس التي تتبع المنهاج الوطني بشكل كامل، بل يمتد ليشمل المدارس الخاصة الأخرى، التي تلتزم بتدريس المواد الإلزامية، وهي اللغة العربية والتربية الإسلامية والدراسات الاجتماعية. هذا الإجراء يضمن توحيد الأسس التعليمية الوطنية وتعزيز الهوية والقيم المشتركة بين جميع الطلاب.
الميثاق الوطني للتعليم: الوثيقة المرجعية العليا
يؤكد المرسوم بقانون على أن الميثاق الوطني للتعليم يمثل الوثيقة المرجعية العليا التي توجه عملية تصميم وتطوير المنهاج التعليمي الوطني. يحدد الميثاق الغايات الوطنية للتعليم، وسمات الخريج الإماراتي، والهوية الوطنية، والقيم المجتمعية، والكفاءات المستهدفة، والمبادئ التربوية العامة. وبالتالي، فإن أي تغيير أو تحديث في المنهاج يجب أن يكون متوافقًا مع رؤية وأهداف الميثاق الوطني للتعليم.
عناصر المنهاج التعليمي الوطني: إطار أكاديمي وتربوي واضح
يحدد القانون بشكل دقيق عناصر المنهاج التعليمي الوطني، لضمان وضوح الإطار الأكاديمي والتربوي واستدامة جودته. تشمل هذه العناصر:
- معايير ومخرجات التعلم الوطنية.
- مبادئ تصميم المنهاج.
- أساليب ومنهجيات التدريس.
- المسارات التعليمية المختلفة.
- لغة التعليم.
- زمن التعلم المخصص لكل مادة.
- المواد التعليمية الإلزامية والاختيارية.
- المحتوى التعليمي لكل مادة دراسية.
آليات التغيير والتطوير في المنهاج
يضع القانون إطارًا واضحًا لتصنيف التغييرات على المنهاج التعليمي الوطني، مع تحديد صلاحيات وآليات اعتماد كل فئة. هناك أربع فئات رئيسية للتغييرات:
- التغييرات الجذرية: تتعلق بالمرتكزات الفلسفية أو الهيكلية للمنهاج، وتتطلب موافقة مجلس التعليم والتنمية البشرية والمجتمع واعتمادًا من مجلس الوزراء، بالإضافة إلى تجريب ميداني وتقييم شامل.
- التغييرات الجزئية: تختص بجزئيات محددة ضمن المواد الدراسية، وتعتمد من قبل مجلس التعليم والتنمية البشرية والمجتمع.
- التغييرات الفنية أو الشكلية: تهدف إلى تحسين وضوح الصياغة أو العرض البصري للمحتوى، وتعتمد من وزارة التربية والتعليم.
- التغييرات الاستثنائية والعاجلة: تُجرى استجابة لحالات طارئة، وتعتمد من مجلس التعليم والتنمية البشرية والمجتمع، مع إبلاغ مجلس الوزراء.
دور الجهات المعنية في حوكمة المنهاج
يحدد القانون أدوار ومسؤوليات كل جهة معنية بـ حوكمة المنهاج التعليمي الوطني:
- مجلس الوزراء: يعتمد الميثاق الوطني للتعليم والمنهاج والتغييرات الجذرية.
- مجلس التعليم والتنمية البشرية والمجتمع: يقدم التوجيه الاستراتيجي ويضمن اتساق المنهاج مع السياسات الوطنية.
- وزارة التربية والتعليم: تتولى إعداد وتطوير ومراجعة المنهاج، وتوفير الموارد التعليمية، والرقابة على التطبيق.
- المؤسسات التعليمية: تطبق المنهاج وتشارك في عمليات التجريب وجمع التغذية الراجعة.
- الجهات التعليمية المحلية: تراقب تطبيق المنهاج في المدارس الخاصة.
- المركز الوطني لجودة التعليم: يقيم جودة التطبيق ويقيس الأثر.
مشاركة القطاع الخاص والمجتمع في التطوير
يشجع القانون على مشاركة القطاع الخاص والجهات غير الربحية في تطوير المنهاج، من خلال تقديم المقترحات المدعومة بالدراسات والتحليلات الموثوقة. تتولى وزارة التربية والتعليم دراسة هذه المقترحات والتأكد من جدواها التعليمية، ورفعها إلى الجهات المختصة لاتخاذ القرار المناسب.
خلاصة
يمثل المرسوم بقانون الاتحادي بشأن حوكمة المنهاج التعليمي الوطني خطوة حاسمة نحو بناء نظام تعليمي إماراتي عالمي المستوى. من خلال توحيد الإطار القانوني، وتعزيز التكامل والتنسيق، وتشجيع المشاركة المجتمعية، يضمن هذا القانون جودة التعليم ومواكبته لمتطلبات المستقبل، ويساهم في إعداد أجيال قادرة على قيادة مسيرة التنمية الشاملة في دولة الإمارات. لذا، من الضروري أن تطلع جميع الجهات المعنية على تفاصيل هذا القانون، وأن تعمل على تطبيقه بشكل فعال، لتحقيق الأهداف المنشودة وبناء مستقبل مشرق لأبناء الإمارات.