يقول راوي الحكايات الأسطوري الإغريقي إيسوب: «احذر ما تتمناه كي لا يتحقق»، وهي حكمة يجب أن تؤخذ على محمل الجد، خاصةً من قبل أولئك الذين يدعون إلى تفكيك الاتحاد الأوروبي. ففي الوقت الذي يهاجم فيه البعض هذا الكيان الاتحادي، متهمين إياه بـ«محو الحضارة»، يجب التوقف ملياً عند العواقب المحتملة لهذا التفكيك، والتي قد تكون أشد وطأة مما يتصور البعض. هذا المقال يتناول المخاطر الكامنة في تفكيك الاتحاد الأوروبي، وكيف أن هذه الرغبة، المدفوعة في جزء منها بسياسات خارجية معينة، قد تؤدي إلى نتائج عكسية تماماً.
خطر تفكيك الاتحاد الأوروبي: عودة المظالم التاريخية
بغض النظر عن الاختلافات الأيديولوجية أو السياسية، فإن أوروبا بدون الاتحاد الأوروبي لن تكون قارة مزدهرة تتألف من دول قومية “ذات سيادة” كما يُزعم. بل ستكون أقرب إلى حالة دول غرب البلقان بعد تفكك يوغوسلافيا، حيث عادت الصراعات العرقية والدينية القديمة للظهور. هذا السيناريو يصبح أكثر احتمالاً إذا تحقق التفكك بدعم من قوى خارجية، خاصة تلك التي تدعي أنها حلفاء للناتو.
طموحات القوميين المتطرفين
فالعديد من القوميين المتطرفين في أوروبا الشرقية لديهم أجندات خفية قد تشتعل مع انهيار البنية الاتحادية. فمثلاً، رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، المدعوم من إدارة ترامب السابقة، يسعى لإعادة إحياء “المجر الكبرى” التي كانت موجودة قبل معاهدة تريانون عام 1920، وهو ما يعني المطالبة بأراضٍ من دول مجاورة مثل رومانيا وأوكرانيا وصربيا.
هل سيتنازل الرئيس الصربي، ألكسندر فوتشيتش، الذي يكن احتراماً كبيراً لسلوبودان ميلوسيفيتش، عن مناطق ذات أغلبية صربية في المجر أو رومانيا؟ وماذا عن ديانا شوشواكا، العضوة المثيرة للجدل في البرلمان الأوروبي، والتي تطالب بضم أراضٍ رومانية “تاريخياً” من أوكرانيا؟ هذه الأسئلة ليست مجرد تكهنات، بل هي مؤشرات على التوترات الكامنة التي قد تنفجر في غياب الإطار التنظيمي الذي يوفره الاتحاد الأوروبي.
دور الاتحاد الأوروبي في الحفاظ على السلام والاستقرار
إن نجاح الاتحاد الأوروبي يكمن في قدرته على تجاوز الخلافات التاريخية وتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء. فمن خلال حرية التنقل، وحماية حقوق الأقليات، والتكامل الاقتصادي، ساهم الاتحاد الأوروبي في خلق بيئة من السلام والاستقرار لم تشهدها القارة منذ قرون.
بزوال هذا الإطار، ستعود الدول إلى التركيز على مصالحها القومية الضيقة، مما قد يؤدي إلى سلسلة من الأحداث غير المتوقعة، بما في ذلك الحروب والصراعات المجمدة التي تشعلها قوى إقليمية مثل روسيا وصربيا، كما هو الحال في ترانسنيستريا وكوسوفو.
التدخلات الخارجية وتأثيرها
لا يمكن تجاهل الدور الذي تلعبه القوى الخارجية في هذا السياق. فإدارة ترامب، على سبيل المثال، كانت تشجع روسيا بشكل غير مباشر في أوكرانيا، وتسعى إلى إضعاف المادة الخامسة من حلف الناتو، والتي تنص على الدفاع الجماعي.
كما أن صعود اليمين المتطرف في ألمانيا، مع أحزاب مثل “البديل من أجل ألمانيا”، المدعومة من شخصيات مثل إيلون ماسك، يمثل تهديداً إضافياً للاستقرار الأوروبي. فدعوات هذا الحزب إلى تجاوز الشعور التاريخي بالذنب قد تشجع على تبني سياسات قومية متطرفة، مما يزيد من خطر الصراعات الإقليمية.
الاتحاد الأوروبي: استمرار لتاريخ طويل من التكامل
غالباً ما يُنظر إلى الاتحاد الأوروبي على أنه مشروع حديث، ولكنه في الواقع يمثل استمراراً لجهود طويلة الأمد لتحقيق التكامل في القارة. فمنذ سقوط الإمبراطورية الرومانية، سعت أوروبا إلى إيجاد توازن بين الوحدة والتنوع الثقافي والسياسي.
فالإمبراطورية الرومانية المقدسة، والرابطة الهانزية، والجمهورية البولندية الليتوانية، كلها أمثلة على محاولات سابقة لإنشاء كيانات سياسية واقتصادية عابرة للحدود الوطنية. الاتحاد الأوروبي هو أحدث حلقة في هذه السلسلة، وهو يمثل تطوراً طبيعياً لعملية تاريخية طويلة.
لماذا يجب على الولايات المتحدة إعادة النظر في سياستها تجاه أوروبا؟
قد يجادل البعض بأن مستقبل أوروبا يجب أن يحدده الأوروبيون أنفسهم، وأن الولايات المتحدة لا ينبغي أن تتدخل في شؤونهم الداخلية. ولكن هذا، في أحسن الأحوال، حجة تدعو إلى الانسحاب الكامل، بما في ذلك سحب المظلة الأمنية الأميركية من أوروبا.
إن السياسة الحالية، التي تتسم بالتدخل المباشر في السياسة الأوروبية من قبل شخصيات مثل إيلون ماسك، هي سياسة متناقضة وغير فعالة. علاوة على ذلك، فإن الانسحاب الأميركي من أوروبا سيكون له عواقب وخيمة على الأمن القومي الأميركي نفسه. فكما تعلم الأميركيون في عامي 1917 و1941، فإن الحروب الأوروبية يمكن أن تهدد مصالحهم بشكل مباشر.
دروس من الماضي
ففي الحرب العالمية الأولى، أدت الهجمات البحرية الألمانية على السفن الأميركية إلى دخول الولايات المتحدة الحرب. وفي الحرب العالمية الثانية، أعلنت ألمانيا الحرب على الولايات المتحدة بعد أن شنت اليابان هجوماً على بيرل هاربر.
إن سياسة أميركا في مرحلة ما بعد الحرب، التي تميزت بالدعم الكبير لمشروع التكامل الأوروبي، لم تكن مجرد “إرث قادة أغبياء أو ساذجين”، بل كانت مدفوعة برغبة حقيقية في منع وقوع حرب أوروبية أخرى. هذه السياسة حققت نجاحاً مذهلاً، حيث ساهمت في تحقيق فترة غير مسبوقة من السلام والازدهار في أوروبا، وتعزيز دور أميركا كقوة عالمية.
في الختام، فإن تفكيك الاتحاد الأوروبي ليس مجرد مسألة أوروبية، بل هو قضية عالمية ذات تداعيات خطيرة على الأمن والاستقرار. إن إدارة ترامب، من خلال سياستها المعادية لأوروبا، قد فتحت صندوق باندورا، وإذا انهار الاتحاد الأوروبي على يد روسيا والولايات المتحدة، فإن الأميركيين سيندمون على ذلك سريعاً. يجب على الولايات المتحدة إعادة النظر في سياستها تجاه أوروبا، والتركيز على دعم وتعزيز التكامل الأوروبي بدلاً من تقويضه. ما رأيك في مستقبل أوروبا؟ شاركنا أفكارك في التعليقات!
