تلقى الوسط الفني العربي والفلسطيني نبأً محزناً بوفاة الفنان والمخرج القدير محمد بكري، عن عمر يناهز 72 عاماً، بعد صراع مع المرض. رحل بكري، الذي يعتبر من أبرز رواد السينما والمسرح الفلسطيني، تاركاً وراءه إرثاً فنياً غنياً ومؤثراً، ومسيرة حافلة بالإبداع والتميز. هذا المقال يستعرض محطات حياته الفنية ومساهماته القيمة في إثراء المشهد الثقافي.
حياة ومسيرة الفنان محمد بكري
ولد محمد بكري في قرية البعنة الواقعة في الجليل عام 1953، ونشأ في كنف عائلة فنية. بدأ مسيرته الفنية في المسرح، وسرعان ما لفت الأنظار بموهبته وقدرته على تجسيد الشخصيات المختلفة. لم يقتصر نشاطه على المسرح، بل امتد ليشمل السينما والتلفزيون، حيث شارك في العديد من الأعمال الفنية المحلية والعالمية.
بداياته الفنية وتنوع أعماله
شارك محمد بكري في عشرات الأفلام الفلسطينية، بالإضافة إلى أعمال للمخرجين العالميين مثل كوستا غافراس وباولو وفيتوريو تافياني. ظهر أيضاً في المسلسل الفرنسي الشهير “مكتب الأساطير” في موسمه الثالث، مما يعكس شهرته وتألقه على الصعيد الدولي. تميز بكري بقدرته على الانتقال بين الأدوار المختلفة، وتقديم أداء مقنع ومؤثر في كل عمل يشارك فيه.
فيلم “وراء الجدران” و “جنين جنين”: علامات فارقة في مسيرته
حظي محمد بكري بإشادة واسعة من النقاد عن دوره في فيلم “وراء الجدران” (أوري باراباش 1984)، والذي يعتبر من الأفلام الفلسطينية الهامة التي تناولت قضايا اجتماعية وسياسية. ولكن شهرته الدولية الحقيقية جاءت من خلال فيلمه الوثائقي “جنين جنين” الذي صدر عام 2002.
“جنين جنين”: فيلم أثار الجدل ونال الجوائز
“جنين جنين” هو فيلم وثائقي يوثق أحداث معسكر جنين للاجئين الفلسطينيين خلال انتفاضة الأقصى عام 2002. أثار الفيلم جدلاً واسعاً بسبب تصويره للأحداث، لكنه في الوقت نفسه حاز على العديد من الجوائز الدولية المرموقة، مما جعله من أهم الأفلام الوثائقية الفلسطينية التي تناولت القضية الفلسطينية. هذا الفيلم يعتبر من أهم أعماله التي ساهمت في تسليط الضوء على القضية الفلسطينية عالمياً.
إرث فني وعائلي
لم يكن محمد بكري فناناً فحسب، بل كان أباً لستة أبناء، ثلاثة منهم سلكوا طريق الفن. يبرز من بينهم الفنان صالح بكري، الذي حقق أيضاً مسيرة فنية ناجحة. كثيراً ما ظهر الأب والابن معاً في الأعمال الفنية، مما أضفى على هذه الأعمال طابعاً عائلياً مميزاً. هذا التعاون الفني بين الأب والابن يعكس قوة العلاقة بينهما وشغفهما المشترك بالفن.
تقدير رسمي ووداع حزين
عبرت وزارة الثقافة الفلسطينية عن حزنها العميق لرحيل الفنان محمد بكري، واصفة إياه في بيان لها بأنه “شكّل علامة فارقة في المشهد الثقافي والفني الفلسطيني والعربي”. وتوافد العديد من الفنانين والمثقفين والنشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي لتقديم التعازي والمشاركة في وداع الفنان الراحل. كما أقيمت العديد من الفعاليات لتكريمه وإحياء ذكراه.
تأثيره على السينما الفلسطينية وذكرى خالدة
إن رحيل محمد بكري يمثل خسارة كبيرة للسينما الفلسطينية والعربية. لقد ترك وراءه إرثاً فنياً غنياً سيظل يلهم الأجيال القادمة من الفنانين والمخرجين. كما أن أعماله ستظل شاهدة على تاريخ القضية الفلسطينية ومعاناة شعبها. سيظل اسمه محفوراً في ذاكرة السينما العربية كأحد روادها وأكثرهم تأثيراً. إن مسيرته الفنية الطويلة والملهمة ستبقى مصدر فخر واعتزاز للشعب الفلسطيني والعربي.
نتمنى أن تظل أعماله حية، وأن يستمر النقاش حولها، وأن تُلهم المزيد من الأعمال الفنية التي تسلط الضوء على قضايا العدالة والحرية. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
