في ظل تصاعد المخاوف الجيوسياسية وتوقعات أسواق المال بخفض أسعار الفائدة، شهدنا اليوم ارتفاعاً تاريخياً في أسعار المعادن النفيسة، وعلى رأسها الذهب. ليس هذا فحسب، بل سجلت الفضة أيضاً مستوى قياسياً جديداً، بينما واصل البلاتين مكاسبه القوية. هذا الارتفاع يعكس حالة من عدم اليقين العالمي تدفع المستثمرين نحو الأصول الآمنة.
الذهب يسجل رقماً قياسياً جديداً: هل هذا بداية صعود أقوى؟
ارتفع سعر الذهب الفوري بنسبة 1% ليصل إلى 4383.19 دولارًا للأونصة في تعاملات صباح اليوم. هذا السعر يتجاوز بوضوح الذروة السابقة التي تم تسجيلها في أكتوبر الماضي عند 4381 دولارًا للأونصة. لقد استطاع الذهب أن يحافظ على زخمه ويكسب على مدار الأسبوعين الماضيين، مما يؤكد على قوته كملجأ آمن في أوقات الاضطرابات.
العديد من العوامل تدعم هذا الارتفاع، أبرزها التصعيد المستمر في التوترات الجيوسياسية حول العالم. تضافر هذه العوامل مع توقعات متزايدة بأن يقوم مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) بخفض أسعار الفائدة، خصوصاً بعد البيانات الاقتصادية الأخيرة التي لم تقدم صورة واضحة المعالم بشأن مسار الاقتصاد الأمريكي. حتى دعوات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لخفض أسعار الفائدة بشكل حاد لم تغير من هذه التوقعات.
لماذا أسعار الفائدة مهمة لأسعار الذهب؟
تعتبر السياسة النقدية المتساهلة، والتي تتمثل في خفض أسعار الفائدة، عاملاً مساعداً كبيراً لارتفاع أسعار الذهب. السبب بسيط: الذهب لا يدر عائدًا ثابتًا مثل السندات أو الودائع، وبالتالي، عندما تنخفض أسعار الفائدة، تقل تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب، مما يزيد من جاذبيته للمستثمرين.
الفضة تحلق في السماء: ارتفاع غير مسبوق
لم يقتصر الارتفاع على الذهب فحسب، بل شهدنا أيضاً أداءً استثنائياً من قبل الفضة، التي ارتفعت بنسبة 2% لتصل إلى مستوى تاريخي جديد قدره 68.48 دولارًا للأونصة. يعود هذا الصعود القوي إلى عدة أسباب، منها تدفقات المضاربة المتزايدة بالإضافة إلى استمرار اضطرابات العرض في مراكز التداول الرئيسية.
هذا الارتفاع يأتي بعد موجة بيع كبيرة شهدتها الفضة في أكتوبر الماضي. ومع ذلك، تمكنت الفضة من التعافي بقوة وتحقيق مكاسب ملحوظة، حيث شهد حجم تداول العقود الآجلة للفضة في شنغهاي في بداية هذا الشهر ارتفاعاً كبيراً يقارب مستويات الأزمة التي حدثت قبل شهرين. يُظهر هذا مستوى الاهتمام المتزايد بالفضة كاستثمار.
أداء قوي للبلاتين والبلاديوم
بالإضافة إلى الذهب والفضة، سجلت المعادن النفيسة الأخرى أداءً جيدًا. ارتفع سعر البلاديوم الفوري بنسبة 4% ليصل إلى 1782.05 دولارًا للأونصة، بينما ارتفع سعر البلاتين الفوري بنسبة 3% ليصل إلى 2033 دولارًا للأونصة.
تجاوز سعر البلاتين 2000 دولار للأونصة للمرة الأولى منذ عام 2008، وشهد المعدن ارتفاعاً مذهلاً بنسبة 120% هذا العام. يعزى هذا الارتفاع بشكل خاص إلى مؤشرات تشديد العرض في سوق لندن، حيث بدأت البنوك بتخزين المعدن في الولايات المتحدة كإجراء وقائي ضد الرسوم الجمركية المحتملة. كما ساهمت الصادرات القوية إلى الصين، بالإضافة إلى التفاؤل بشأن الطلب الصيني المتزايد مع بدء تداول العقود الآجلة في بورصة قوانغتشو، في دعم أسعار البلاتين.
عام تاريخي للمعادن النفيسة: نظرة مستقبلية
بشكل عام، تشهد المعادن النفيسة عامًا استثنائياً، حيث من المتوقع أن يحقق كل من الذهب والفضة أقوى مكاسب سنوية لهما منذ عام 1979. تضاعفت قيمة الفضة بأكثر من الضعف، بينما ارتفع سعر الذهب بنحو الثلثين. يعكس ذلك زيادة في مشتريات البنوك المركزية، فضلاً عن تدفقات كبيرة للأموال إلى صناديق المؤشرات المتداولة المدعومة بالذهب.
أظهرت بيانات بلومبيرغ أن صناديق المؤشرات المتداولة المدعومة بالذهب قد شهدت تدفقات مستمرة لمدة خمسة أسابيع متتالية. وكشفت أرقام مجلس الذهب العالمي عن ارتفاع إجمالي الحيازات في هذه الصناديق على أساس شهري خلال العام الحالي، باستثناء شهر مايو.
هل ستستمر هذه الوتيرة الصاعدة في العام القادم؟ تتوقف الإجابة على تطورات الأوضاع الجيوسياسية، ومسار أسعار الفائدة، وقدرة الاقتصاد العالمي على التغلب على التحديات الحالية. من الواضح أن الذهب والمعادن النفيسة الأخرى ستظل خيارات جذابة للمستثمرين الذين يبحثون عن الأمان والحماية لرأس مالهم في عالم مليء بالتقلبات. من المهم متابعة تحليلات أسواق الاستثمار في الذهب لتقييم المخاطر والفرص المتاحة.