في خطوة تصعيدية تثير قلقاً دولياً واسعاً، وافق المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي على إقامة 19 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية المحتلة. هذه الخطوة، التي أعلن عنها وزير المال الإسرائيلي بتسلئيل سموطريتش، تهدف بشكل صريح إلى “منع إقامة دولة فلسطينية”، وتأتي في ظل تصاعد وتيرة الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. هذا القرار يمثل تحدياً سافراً للقانون الدولي ويزيد من تعقيد عملية السلام المتوقفة أصلاً.
الموافقة على المستوطنات الجديدة: تفاصيل وخلفيات
أعلنت مكتب سموطريتش أن هذه الموافقة ترفع عدد المستوطنات التي تمت الموافقة عليها خلال السنوات الثلاث الأخيرة إلى 69 مستوطنة. ويعتبر هذا الرقم قياسياً، حيث يتجاوز بكثير المعدلات السابقة. البيان وصف الخطوة بأنها “تاريخية” وشدد على أن الهدف منها هو منع قيام دولة فلسطينية.
سموطريتش صرح قائلاً: “على أرض الواقع، نحن نمنع إقامة دولة إرهاب فلسطينية”. وأضاف: “سنواصل تطوير وبناء وتعزيز الاستيطان في أرض تراثنا التاريخي، إيماناً بعدالة الطريق الذي نسلكه”.
إعادة إحياء مستوطنات قديمة
من بين المستوطنات الجديدة، تبرز خطط لإعادة إقامة مستوطنتي غانيم وكاديم اللتين تم تفكيكهما في شمال الضفة الغربية قبل حوالي عقدين. هذه الخطوة تحمل دلالات رمزية قوية، حيث تعكس إصرار الحكومة الإسرائيلية على ترسيخ وجودها في الأراضي الفلسطينية. بالإضافة إلى ذلك، تشمل الموافقة أيضاً الاعتراف بـ 5 مستوطنات عشوائية كانت قائمة بالفعل ولكنها تفتقر إلى وضع قانوني.
ردود الفعل الدولية والإقليمية على الاستيطان
أثارت هذه الموافقة موجة من الإدانات الدولية. الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، كان قد دان بالفعل “التوسع المستمر” للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، مشيراً إلى أن هذا التوسع “يواصل تأجيج التوترات، ويعيق وصول الفلسطينيين إلى أراضيهم، ويهدد قابلية قيام دولة فلسطينية مستقلة تماماً، ديموقراطية، متصلة جغرافياً وذات سيادة”.
غوتيريش أشار إلى أن وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية قد وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2017 على الأقل، حيث بلغ متوسط عدد الوحدات السكنية الاستيطانية التي أُضيفت سنوياً بين عامي 2017 و2022 حوالي 12,815 وحدة. هذه الأرقام تعكس “زيادة حادة” مقارنة بالسنوات السابقة، وتُرسّخ الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني، وتنتهك القانون الدولي، وتقوّض حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.
مشاريع استيطانية أخرى تثير الجدل
بالإضافة إلى الموافقة على المستوطنات الجديدة، تواصل إسرائيل المضي قدماً في مشاريع استيطانية أخرى مثيرة للجدل. من بين هذه المشاريع، مشروع (إي وان) الاستيطاني الذي يهدف إلى فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها. هذا المشروع، الذي أثار ردود فعل فلسطينية ودولية غاضبة، يتضمن بناء 3400 وحدة استيطانية جديدة وتوسعة مستوطنة معاليه أدوميم الواقعة إلى الشرق من القدس.
الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب كان قد حذر إسرائيل من ضم الضفة الغربية، مؤكداً أنها ستفقد كل دعمها من الولايات المتحدة في حال قامت بذلك. ومع ذلك، يبدو أن الحكومة الإسرائيلية الحالية مصممة على المضي قدماً في سياساتها الاستيطانية.
القانون الدولي والوضع القانوني للمستوطنات
جميع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي. كما أن البؤر الاستيطانية غير قانونية أيضاً بموجب القانون الإسرائيلي. ومع ذلك، تواصل إسرائيل بناء وتوسيع المستوطنات، متحديةً بذلك القانون الدولي والإرادة الدولية. هذا الأمر يثير تساؤلات حول مستقبل عملية السلام واحتمالات تحقيق حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية. الوضع في الأراضي الفلسطينية يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، مما يتطلب تحركاً دولياً فعالاً لوقف الاستيطان وحماية حقوق الشعب الفلسطيني.
مستقبل القضية الفلسطينية في ظل تصاعد الاستيطان
إن تصاعد وتيرة الاستيطان الإسرائيلي يمثل تهديداً حقيقياً لفرص تحقيق السلام في المنطقة. فبناء المستوطنات يهدف إلى تغيير التركيبة الديموغرافية للأراضي الفلسطينية المحتلة، وتقويض إمكانية إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة.
من الضروري أن تضغط المجتمع الدولي على إسرائيل لوقف الاستيطان والالتزام بالقانون الدولي. كما يجب على الفلسطينيين مواصلة العمل على تعزيز وحدتهم الوطنية وتوحيد جهودهم لمواجهة التحديات التي تواجههم. إن مستقبل القضية الفلسطينية يعتمد على قدرة الفلسطينيين والمجتمع الدولي على إيجاد حل عادل وشامل يضمن حقوق جميع الأطراف. الاستمرار في السياسات الاستيطانية لن يؤدي إلا إلى المزيد من التصعيد والعنف في المنطقة.
