في عالم يشهد تحولات عميقة وتحديات متزايدة، تبرز أهمية التفكير الفلسفي في صياغة رؤى جديدة حول قضايا أساسية مثل المواطنة والآخر. وفي هذا السياق، عقد بيت الفلسفة في الفجيرة، بالتعاون مع جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، ملتقى فلسفياً هاماً تحت هذا العنوان، بهدف استكشاف الأبعاد المتشعبة للوجود الإنساني في ظل التنوع والاختلاف. هذا الملتقى لم يكن مجرد تجمع أكاديمي، بل منصة حقيقية لتبادل الأفكار وبناء جسور التفاهم حول مفاهيم جوهرية في حياتنا المعاصرة.
أهمية الملتقى الفلسفي حول المواطنة والآخر
يهدف هذا الملتقى إلى إثراء النقاش الفلسفي والاجتماعي حول المواطنة والآخر، خاصة في ظل التحديات التي تواجه المجتمعات المعاصرة من صراعات هوية وتطرف. فالمواطنة ليست مجرد حق قانوني، بل هي أيضاً مسؤولية أخلاقية تجاه المجتمع والآخرين. كما أن فهم “الآخر” ليس مجرد مسألة فضولية، بل هو شرط أساسي للتعايش السلمي وبناء مجتمعات متسامحة ومنفتحة.
التعاون بين بيت الفلسفة وجامعة محمد بن زايد
يعكس هذا الملتقى قوة التعاون المثمر بين المؤسسات الأكاديمية والفكرية في دولة الإمارات العربية المتحدة. فبيت الفلسفة، كمنارة للفكر والثقافة، يساهم في إحياء التراث الفلسفي العربي والإسلامي، بينما جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، بتركيزها على الدراسات الإنسانية والاجتماعية، تقدم رؤى معاصرة حول قضايا المجتمع. هذا التكامل بين الأصالة والمعاصرة يثري الحوار الفكري ويدفع نحو إيجاد حلول مبتكرة للتحديات التي تواجهنا.
محاور النقاش والجلسات الفكرية
توزعت فعاليات الملتقى على مدار يومين، وشملت خمس جلسات نقاشية رئيسية، بالإضافة إلى كلمتين افتتاحيتين ألقاهما الدكتور أحمد برقاوي، عميد بيت الفلسفة، والدكتور خليفة الظاهري. ركزت الجلسات على استكشاف مختلف جوانب العلاقة بين المواطنة والآخر، بدءاً من الأسس الفلسفية وصولاً إلى التحديات العملية.
الجلسة الأولى: مسألة الآخر في الفلسفة المعاصرة
استعرضت الجلسة الأولى الأفكار الفلسفية المختلفة حول مفهوم “الآخر”، بدءاً من أعمال الفلاسفة الكلاسيكيين مثل إيمانويل كانط، وصولاً إلى الفلاسفة المعاصرين مثل إدوار سعيد وجاك دريدا. تم التركيز على كيفية تصور “الآخر” في الثقافة الغربية، وكيف أثر ذلك على العلاقات بين الثقافات المختلفة. كما ناقشت الجلسة أهمية تجاوز النظرة الاستشراقية إلى “الآخر” وتبني رؤية أكثر احتراماً وتقديرًا للتنوع الثقافي.
الجلسة الثانية: المواطنة والهوية والدولة
تناولت هذه الجلسة العلاقة المعقدة بين المواطنة والهوية الوطنية، وكيف يمكن للدولة أن تلعب دوراً في تعزيز الشعور بالانتماء والمواطنة الصالحة. تمت مناقشة مفهوم “الهوية المزدوجة” أو “الهويات المتعددة” في سياق العولمة والهجرة، وكيف يمكن للأفراد أن يجمعوا بين هويتهم المحلية وهويتهم العالمية. كما تم التطرق إلى دور التعليم والإعلام في بناء الوعي الوطني وتعزيز قيم المواطنة.
دور الشباب في تعزيز قيم المواطنة
خصصت الجلسة الثالثة لمناقشة دور الشباب في بناء مجتمعات قائمة على قيم المواطنة والتسامح. تم التأكيد على أهمية إشراك الشباب في الحوارات الفلسفية والاجتماعية، وتشجيعهم على التفكير النقدي والتعبير عن آرائهم بحرية ومسؤولية. كما تم استعراض بعض المبادرات الشبابية التي تهدف إلى تعزيز قيم المواطنة والتطوع وخدمة المجتمع.
المواطنة والتعددية المجتمعية
ركزت الجلسة الرابعة على مفهوم التعددية المجتمعية وأهمية احترام حقوق الأقليات. تمت مناقشة التحديات التي تواجه المجتمعات المتنوعة، مثل التمييز والعنصرية والتعصب الديني. كما تم استعراض بعض النماذج الناجحة للتعددية المجتمعية في دول مختلفة، وكيف يمكن تطبيق هذه النماذج في السياق المحلي. التعددية الثقافية هي أساس بناء مجتمعات قوية ومتماسكة.
الخلاصة والتوصيات
لقد كان الملتقى الفلسفي حول المواطنة والآخر فرصة قيمة لتبادل الأفكار والرؤى حول قضايا أساسية في حياتنا المعاصرة. أكد المشاركون على أهمية تعزيز قيم التسامح والاحترام المتبادل والتفاهم بين الثقافات المختلفة. كما تم التأكيد على دور التعليم والإعلام في بناء الوعي الوطني وتعزيز قيم المواطنة الصالحة.
من أبرز التوصيات التي خرج بها الملتقى:
- إطلاق مبادرات فكرية وثقافية تهدف إلى تعزيز الحوار بين الثقافات المختلفة.
- تضمين مفاهيم المواطنة والتسامح في المناهج التعليمية.
- تشجيع البحث العلمي في مجال الدراسات الإنسانية والاجتماعية.
- دعم المؤسسات التي تعمل على تعزيز قيم المواطنة والتطوع وخدمة المجتمع.
ندعو الجميع إلى مواصلة هذا الحوار الفلسفي والاجتماعي، والمساهمة في بناء مجتمعات أكثر عدلاً وتسامحاً وإنسانية. يمكنكم متابعة فعاليات بيت الفلسفة وجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية للاطلاع على المزيد من الأنشطة والمبادرات التي تهدف إلى إثراء الفكر والثقافة في دولة الإمارات العربية المتحدة. الفكر النقدي هو مفتاح التقدم والازدهار.
