تتجه الأنظار نحو مستقبل استكشاف الفضاء مع اقتراب نهاية حقبة محطة الفضاء الدولية (ISS)، حيث تتوقع تقارير دولية أن تمتلك الصين، وربما روسيا أيضاً، محطات فضائية نشطة في مدار أرضي منخفض، بعد خروج محطة الفضاء الدولية من الخدمة. هذا التحول يثير تساؤلات حول استراتيجية الولايات المتحدة في هذا المجال، وهل ستستمر في ريادة رحلات الفضاء البشرية أم ستعتمد على القطاع الخاص بشكل أكبر؟
محطة الفضاء الدولية: إرث على وشك الانتهاء
على مدار 25 عاماً، كانت محطة الفضاء الدولية (ISS) بمثابة مركز رئيسي لبرامج الفضاء المأهولة الأمريكية. وعلى الرغم من أهميتها، تعرضت المحطة لانتقادات بسبب تحويل موارد كبيرة بعيداً عن مشاريع أكثر طموحاً مثل العودة إلى القمر أو استكشاف المريخ. كما أنها أبقت رواد الفضاء الأمريكيين في مدار أرضي آمن نسبياً، وهو ما اعتبره البعض قيوداً على التقدم. ومع ذلك، لعبت المحطة دوراً حيوياً في الحفاظ على برنامج الفضاء المأهول الأمريكي بعد إلغاء برنامج مكوك الفضاء.
نهاية محطة الفضاء الدولية: تحدٍ أمام واشنطن
تواجه وكالة ناسا واقعاً لا مفر منه وهو اقتراب نهاية العمر الافتراضي لمحطة الفضاء الدولية. لأسباب تتعلق بالسلامة، سيتعين إيقاف تشغيل المحطة في نهاية المطاف. وعلى الرغم من إمكانية إطالة عمرها لبضع سنوات، إلا أن أيامها معدودة. تعتبر هذه النقطة تحدياً كبيراً لواشنطن، حيث لا توجد حتى الآن خطة واضحة لكيفية الحفاظ على وجود أمريكي شبه دائم في مدار الأرض.
صعود الصين وروسيا في مدار الأرض المنخفض
على عكس الولايات المتحدة، استثمرت الصين بشكل كبير في تطوير محطة فضائية معيارية متطورة، وهي محطة تيانجونج، التي تضمن وجوداً شبه دائم في المدار. هذا يسمح لبرنامجها الفضائي بالاستمرار في التقدم حتى بعد إيقاف تشغيل محطة الفضاء الدولية. بالإضافة إلى ذلك، تعتزم روسيا بناء محطة فضائية خاصة بها في مدار قطبي عالي الميل بحلول عام 2030. هذا التطور يضع الولايات المتحدة في موقف غير مريح، حيث لا توجد لديها خطط مماثلة للحفاظ على وجود استراتيجي في مدار الأرض.
الخصخصة كبديل: مستقبل محطات الفضاء؟
يتكهن البعض بأن الولايات المتحدة قد تتجه نحو نموذج تجاري لرحلات الفضاء البشرية، خاصة فيما يتعلق بتشغيل محطات الفضاء. بموجب هذا النموذج، ستقوم شركات الفضاء الخاصة ببناء وتشغيل المحطات، بينما ستستأجرها ناسا فقط. تتنافس العديد من الشركات الخاصة بالفعل على صدارة هذا الاقتصاد الفضائي الجديد، بما في ذلك:
محطة أكسيوم الفضائية
تخطط محطة أكسيوم الفضائية لربط وحدات أولية بمحطة الفضاء الدولية، ثم تحويل هذه الوحدات إلى محطة فضائية مستقلة بعد تقاعد محطة الفضاء الدولية رسمياً.
Orbital Reef
تطوير شركة Blue Origin، المملوكة لجيف بيزوس، لمجمع أعمال فضائي يُعرف باسم Orbital Reef، بالتعاون مع شركات مثل Boeing وSierra Space، لإنشاء موطئ قدم دائم خاص في مدار الأرض.
Starlab
تحالف بين Lockheed Martin وAirbus وVoyager Space لبناء محطة فضاء تجارية أحادية الإطلاق، مصممة لأغراض علمية وسياحية.
ومع ذلك، يكمن الخطر في أي تأخير محتمل في إطلاق هذه المحطات الفضائية الخاصة، مما قد يؤدي إلى فقدان الولايات المتحدة لميزتها التنافسية في مدار الأرض.
تحول تركيز ناسا: القمر والمريخ
تحول وكالة ناسا تركيزها من المدار الأرضي المنخفض إلى القمر والمريخ. تخطط الوكالة حالياً لمهام عودة مأهولة إلى القمر، وبناء قاعدة قمرية، والتحضير لمهمة مأهولة إلى المريخ. هذا التحول يعني إعادة تخصيص الموارد المحدودة لإنشاء أنظمة دعم حياة طويلة الأمد، وأبحاث الإشعاع، وتقنيات دفع جديدة. كانت محطة الفضاء الدولية تستهلك نصف ميزانية ناسا المخصصة لرحلات الفضاء المأهولة، ولولاها لكانت الوكالة قد استثمرت مليارات الدولارات في رحلات الفضاء السحيق.
تعزيز النفوذ الصيني في الفضاء
على الرغم من أن تجاوز المدار الأرضي المنخفض هو تركيز جدير بالثناء لوكالة ناسا، إلا أن التخلي عنه تماماً في الوقت الذي تتسارع فيه الصين وروسيا للسيطرة على المرتفعات الاستراتيجية يعتبر تقصيراً استراتيجياً. ففي حال توقف محطة الفضاء الدولية عن العمل، وتأخر إطلاق أي من المحطات الفضائية الخاصة المقترحة، ستصبح محطة تيانجونج الفضائية الصينية المحطة الفضائية السيادية الوحيدة التي تديرها حكومة في المدار. علاوة على ذلك، تخطط بكين لاستضافة دول أخرى في قاعدة تيانجونج، مما سيعزز نفوذها ومكانتها في العمليات الفضائية. إن نهاية محطة الفضاء الدولية تمثل نهاية حقبة، وبداية حقبة جديدة تتطلب استراتيجية واضحة ومدروسة من الولايات المتحدة للحفاظ على ريادتها في استكشاف الفضاء.
إن مستقبل استكشاف الفضاء يتطلب رؤية استراتيجية والتزاماً بالابتكار. يجب على الولايات المتحدة أن توازن بين استثماراتها في مشاريع الفضاء السحيق والحفاظ على وجود قوي في مدار الأرض المنخفض، سواء من خلال دعم القطاع الخاص أو تطوير محطات فضائية جديدة. إن الحفاظ على ريادة أمريكا في الفضاء ليس مجرد مسألة فخر وطني، بل هو ضرورة استراتيجية لضمان الأمن القومي وتعزيز التقدم العلمي والتكنولوجي.