أعلنت إدارة الطيران والفضاء الأمريكية (ناسا) عن تعديلات كبيرة في برنامج مركبة “ستارلاينر” التابعة لشركة “بوينج”، وهو ما يثير تساؤلات حول مستقبل هذا المشروع الطموح في مجال رحلات الفضاء. الخطوة الأكثر بروزًا هي خفض عدد المهام المخطط لها وتقليص الدور الذي تلعبه “ستارلاينر” في نقل رواد الفضاء إلى محطة الفضاء الدولية، في ظل تألق شركة سبيس إكس ومركبتها “دراغون”. هذا التطور يمثل تحديًا لشركة بوينج، ولكنه أيضًا يعكس التزام ناسا بضمان وجود خيارات آمنة وموثوقة لتنفيذ مهامها الفضائية. ستارلاينر، التي واجهت تأخيرات ومشاكل فنية عديدة، ستخضع الآن لتقييم شامل لتعزيز أدائها وسلامتها.
تعديلات على برنامج ستارلاينر وخفض الميزانية
كشفت ناسا عن أنها وشركة بوينج اتفقتا على تقليل عدد رحلات ستارلاينر من 6 إلى 4 رحلات فقط. ويشمل ذلك ما يصل إلى 3 رحلات مأهولة ورحلة واحدة غير مأهولة مقررة في أبريل المقبل. تم تخفيض قيمة العقد الأصلي بحوالي 768 مليون دولار أمريكي، لتبلغ الآن 3.732 مليار دولار. هذا الإجراء يشير إلى مدى التعقيدات والتأخيرات التي وافحت البرنامج، وتأثيرها على التكاليف والميزانية المخصصة له.
أسباب تعثر برنامج ستارلاينر
تعود جذور هذه المشاكل إلى سلسلة من الأعطال والتأجيلات التي شهدها برنامج ستارلاينر على مر السنين. آخر هذه المشاكل كانت خلال أول رحلة تجريبية مأهولة في عام 2024، حيث تعطل عدد من دافعات نظام الدفع في المركبة أثناء اقترابها من محطة الفضاء الدولية. هذا الخلل أجبر رائدي الفضاء، بوتش ويلمور وسوني ويليامز، على البقاء في المحطة لمدة 9 أشهر أطول من المخطط. بالإضافة إلى ذلك، واجه البرنامج تحديات تتعلق بتجاوزات التكاليف والمشاكل الهندسية المعقدة.
تفوق سبيس إكس وتأثيره على برنامج ستارلاينر
في المقابل، حققت شركة سبيس إكس، بقيادة إيلون ماسك، تقدمًا ملحوظًا في تطوير وتشغيل مركبتها “دراغون”. أصبحت “دراغون” المركبة الأساسية لنقل رواد الفضاء إلى محطة الفضاء الدولية منذ أول رحلة مأهولة لها في عام 2020. هذا النجاح السريع لسبيس إكس وضع ضغوطًا كبيرة على برنامج ستارلاينر، وأظهر الفارق المتزايد في الأداء والاعتمادية بين المركبتين. ونتيجة لذلك، منحت ناسا سبيس إكس المزيد من المهام والرحلات الإضافية.
مستقبل StarLiner-1
الآن، تركز ناسا وبوينج على مهمة Starliner-1 المقرر إطلاقها في أبريل 2026. ستكون هذه المهمة غير مأهولة وستهدف إلى نقل شحنة إلى محطة الفضاء الدولية. تهدف ناسا من خلال هذه المهمة إلى اختبار وتقييم أداء نظام الدفع في ستارلاينر، والتأكد من سلامته وموثوقيته قبل الشروع في أي رحلات مأهولة مستقبلية. وكلا الشركتين تؤكدان على أن السلامة تظل الأولوية القصوى لهما.
الهدف الاستراتيجي لناسا: بدائل متعددة
أشارت ناسا إلى أن اختيار شركتي بوينج وسبيس إكس في عام 2014 كان يهدف إلى توفير بديلين احتياطيين لنقل رواد الفضاء الأمريكيين إلى محطة الفضاء الدولية. وهذا يضمن عدم اعتماد الولايات المتحدة بشكل كامل على المركبات الروسية، خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية المتغيرة. على الرغم من تأخر برنامج ستارلاينر، لا تزال ناسا ترى أهمية في وجود خيارات متعددة لضمان الوصول المستمر إلى الفضاء.
طموحات بوينج المستقبلية
لا تزال بوينج ملتزمة ببرنامج ستارلاينر وتسعى إلى تطويره ليصبح مركبة تجارية لنقل رواد الفضاء إلى محطات فضائية مستقبلية. وترى الشركة أن ستارلاينر يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في استكشاف الفضاء وتوسيع نطاق الأنشطة البشرية خارج كوكب الأرض. ولكن، لتحقيق هذه الطموحات، يجب على بوينج معالجة المشاكل الفنية الحالية وتحسين أداء المركبة بشكل ملحوظ. منذ عام 2016، أنفقت بوينج أكثر من 2 مليار دولار على هذا المشروع.
في الختام، يمثل خفض عدد مهام ستارلاينر وتعديل العقد مع ناسا نقطة تحول في هذا البرنامج الطموح. فيما تسعى ناسا وبوينج إلى إعادة تقييم وتصحيح المسار، يظل مستقبل ستارلاينر مرهونًا بقدرته على إثبات سلامته وموثوقيته، ومجاراة التطورات السريعة التي تحققها سبيس إكس في مجال رحلات الفضاء. يمكن متابعة آخر التطورات حول برنامج الطاقم التجاري ومركبة ستارلاينر على موقع ناسا الرسمي، وكذلك من خلال تغطية وكالة رويترز الإخبارية.
