في مذكراته الأخيرة التي أثارت جدلاً واسعاً، كشف يوسي كوهين، المدير السابق لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد)، عن تفاصيل مثيرة تتعلق بخطة تهدف إلى تغيير ديموغرافي في قطاع غزة. يثير هذا الكشف تساؤلات حول طبيعة التخطيط الإسرائيلي في أعقاب هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، وما إذا كانت هناك أهداف أبعد من مجرد المواجهة العسكرية المباشرة. يركز الكتاب، الذي يحمل عنوان “بالأحابيل تصنع لك حرباً”، على فترة ولاية كوهين، ويقدم رؤيته حول التحديات التي تواجه إسرائيل والعلاقات المعقدة مع الدول العربية والمجتمع الدولي.
خطة ترحيل سكان غزة إلى سيناء: تفاصيل مثيرة وجدل واسع
يزعم يوسي كوهين أنه كان العقل المدبر لخطة طموحة تهدف إلى ترحيل ما يقرب من مليون ونصف المليون فلسطيني من قطاع غزة إلى سيناء المصرية، وذلك كرد فعل مباشر على عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها حركة حماس في أكتوبر 2023. ويوضح كوهين أن هذه الخطة لم تكن تهدف إلى ترحيل دائم، بل إلى إبعاد السكان عن مناطق القتال مؤقتاً، بهدف تقليل الخسائر في صفوف المدنيين.
وادعى كوهين أن الكابينيت الإسرائيلي وافق على هذه الخطة، وكُلّف بمهمة إقناع عدد من الدول العربية بها، مؤكداً حرصه على الحصول على ضمانات دولية بشأن الطابع المؤقت للترحيل. بدأ كوهين، بحسب روايته، جولته الدبلوماسية في عواصم عربية، لكنه اصطدم بشكوك عميقة. الخوف الأساسي لدى هذه الدول كان يتمحور حول تحول الترحيل “المؤقت” إلى ترحيل دائم ونهائي، مما يهدد الاستقرار الإقليمي ويخلق أزمة إنسانية معقدة.
رفض رسمي من مصر ومحاولات التفاوض الفاشلة
وقد حسم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الموقف بوضوح، مُعلناً رفضه القاطع لخطة ترحيل الفلسطينيين إلى سيناء. لم يثنِ هذا الرفض كوهين عن البحث عن بدائل. فقد اقترح لاحقاً أن يتولى بنفسه قيادة فريق التفاوض حول صفقة تبادل الأسرى، آملاً أن تفتح هذه الخطوة باباً جديداً للتعاون، و لكن قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية الآخرين عرقلوا هذه المحاولة.
الدعاية الإسرائيلية والبحث عن تواضع القادة
يركز كوهين في كتابه على انتقاد طريقة تعامل إسرائيل مع الرأي العام العالمي، معتبراً أن الفشل في تسويق الرواية الإسرائيلية هو السبب الرئيسي في التعاطف العالمي مع الفلسطينيين. ويشدد على ضرورة أن يتحلى القادة الإسرائيليون بـ “التواضع” وأن يعترفوا بالأخطاء، لكن يبدو أنه في الوقت نفسه يعيد إنتاج نفس الأنماط من الغرور والاعتقاد بتفوق إسرائيل. ويستغرب كوهين كيف يقف الكثيرون حول العالم ضد إسرائيل في ظل الحرب على غزة، وكيف يتم تداول اللقطات المؤلمة من القطاع على نطاق واسع، دون التركيز على الجانب الإسرائيلي.
بدلاً من إدانة الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمدنيين الفلسطينيين، والتي أودت بحياة الآلاف، يرى كوهين أن المشكلة تكمن في ضعف الدعاية الإسرائيلية وعدم قدرتها على إبراز “الحقائق” و “تسويق” المواقف الإسرائيلية. ويتجاهل في هذا السياق النفوذ الكبير للوبي الإسرائيلي في وسائل الإعلام الغربية، فضلاً عن حركات الاحتجاج المتزايدة التي ضمت العديد من اليهود حول العالم.
اتهامات للقادة الإسرائيليين بالبعد عن الشعب
يذهب كوهين إلى حد انتقاد قادة إسرائيل الحاليين، متهمًا إياهم بالابتعاد عن نبض الشارع الإسرائيلي، وفقدان الحس الإنساني والرحمة تجاه مواطني إسرائيل. ويعتقد أن هذا الانفصال عن الواقع يؤدي إلى عدم فهمهم لآلام الناس، وبالتالي عدم قدرتهم على عكس هذه المعاناة على الرأي العام العالمي والمحلي، مما يجعله عرضة لتصديق رواية حماس.
ويستشهد كوهين بالانتهاكات المروعة التي تعرض لها سكان بلدات غلاف غزة خلال هجوم 7 أكتوبر، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي، والقتل الوحشي، و التمثيل بالجثث. مع ذلك، يرى أن ردود الفعل الدولية تدعو إلى وقف الحرب، وهذا ما يعتبره كوهين إخفاقاً في الدعاية الإسرائيلية.
أهمية التعاون الاستخباراتي ومخاطر المناخ
على الرغم من تركيزه على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يولي كوهين أهمية كبيرة لدور جهاز الاستخبارات في مواجهة التهديدات الإقليمية والعالمية. و يذكر كيف قام بتطوير العلاقات مع أجهزة المخابرات في جميع أنحاء العالم، بدءاً من التعاون مع بلجيكا في أعقاب هجمات “داعش” في عام 2016، وصولاً إلى إبلاغ أستراليا بخطة لتفجير طائرة مدنية و كشف خلايا إرهابية في تركيا، رغم العلاقات المتوترة مع أنقرة.
و يؤكد كوهين أن “الموساد” يراقب عن كثب التطورات في دول مثل إيران ولبنان وسوريا والعراق واليمن، بالإضافة لأي تهديد مباشر أو غير مباشر لإسرائيل. في ختام حديثه، يوجه كوهين تحذيراً بشأن خطر متزايد يهدد البشرية جمعاء: أزمة المناخ، مشدداً على ضرورة أن تولي المخابرات هذا التحدي الأهمية التي يستحقها.
باختصار، يقدم كتاب يوسي كوهين رؤية مثيرة للجدل حول استراتيجيات إسرائيل في التعامل مع الصراع الفلسطيني، وعلاقاتها مع الدول العربية والمجتمع الدولي، بالإضافة إلى التركيز على أهمية العمل الاستخباراتي و التحديات العالمية الملحة. هذه المذكرات تفتح نافذة على طريقة تفكير القادة الإسرائيليين، وتبقى عرضة للنقاش والتحليل في سياق التطورات السياسية المتسارعة في المنطقة.