في ظل تحولات جيوسياسية متسارعة وتحديات اقتصادية وأمنية متزايدة، تستعد العاصمة الأنغولية لواندا لاستضافة القمة السابعة بين الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي. تشكل هذه القمة فرصة حاسمة لإعادة تقييم وتحديث الشراكة بين القارتين، خاصةً مع تزايد أهمية القارة الإفريقية كمصدر للموارد الاستراتيجية، وكمنصة للتعاون في مواجهة قضايا عالمية ملحة. هذا المقال يتناول أهمية هذه القمة، التحديات التي تواجه كلا التكتلين، والآفاق المستقبلية للعلاقات بين العلاقات الإفريقية الأوروبية، بناءً على تحليلات الخبراء.
أهمية قمة لواندا في ظل المتغيرات الجيوسياسية
تأتي قمة لواندا في وقت يشهد فيه العالم حالة من عدم اليقين. فالحرب في أوكرانيا، وتداعياتها الاقتصادية والسياسية، قد غيرت ميزان القوى وأعادت ترتيب الأولويات العالمية. وسط هذه التغيرات، يكتسب الاتحاد الإفريقي أهمية متزايدة بالنسبة لأوروبا، ليس فقط كمصدر للمعادن الحيوية اللازمة للتحول الأخضر، ولكن أيضاً كشريك أساسي في مواجهة التحديات الأمنية، والتعامل مع قضايا الهجرة المعقدة.
يشير المحللان السياسيان غريغوار روس وتيجيستي أماري إلى أن أوروبا بحاجة إلى إفريقيا أكثر من أي وقت مضى، سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية. فالطلب على المعادن الإفريقية، مثل الليثيوم والكوبالت، يرتفع بشكل كبير مع تسارع وتيرة التحول نحو الطاقة النظيفة. كما أن الأمن الأوروبي أصبح أكثر اعتماداً على الاستقرار في إفريقيا، خاصةً في ظل التهديدات الإرهابية المتزايدة في منطقة الساحل.
توقعات المحللين حول القمة
وفقاً لتقرير نشره معهد “تشاتام هاوس”، يتوقع روس وأماري أن القمة ستشهد اعترافاً ضمنياً بالتغيرات التي طرأت على الساحة الدولية، وضرورة إعادة تقييم أهداف الشراكة بين الاتحادين. فـ “رؤية مشتركة بعيدة الأثر لعام 2030” التي تبنتها القمة السادسة في بروكسل قد تبدو طموحة للغاية في ظل الظروف الحالية.
القمة تمثل فرصة لإحياء الطموح في هذه الشراكة، وإعادة ضبط العلاقة بين الجانبين، بحيث تأخذ في الاعتبار التحديات الجديدة والفرص المتاحة.
التحديات التي تواجه الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي
لا يخلو كلا التكتلين من التحديات الداخلية التي تلقي بظلالها على القمة. فالعديد من الدول الإفريقية تعاني من ضعف البنية التحتية، وفجوات التصنيع، وارتفاع تكاليف الاقتراض. بالإضافة إلى ذلك، تُواجه هذه الدول تحديات أمنية وسياسية كبيرة، مثل النزاعات المستمرة في السودان وجمهوري الكونغو الديمقراطية، وهشاشة مؤسسات الدولة، وصعوبة تحقيق التنسيق الإقليمي.
وفي المقابل، يواجه الاتحاد الأوروبي أيضاً ضغوطاً داخلية متزايدة، بما في ذلك التحديات الاقتصادية، والتوترات السياسية، والمخاوف بشأن الهجرة. كما أن انشغال أوروبا بالحرب في أوكرانيا قد أدى إلى تحول الاهتمام السياسي بعيداً عن إفريقيا، وهو ما يثير قلقاً لدى العديد من القادة الإفريقيين.
موجة الاحتجاجات وتأثيرها على الاستقرار
تضيف موجة الاحتجاجات التي يقودها الشباب من “الجيل زد” في العديد من الدول الإفريقية بعداً جديداً للتحديات التي تواجه القارة. هذه الاحتجاجات تعكس إحباطاً متزايداً لدى الشباب إزاء الركود السياسي والإقصاء الاقتصادي، وتطالب بتغييرات جذرية في طريقة الحكم والتنمية. هذا الغضب الشعبي يمكن أن يؤثر بشكل كبير على الاستقرار السياسي والاقتصادي في العديد من الدول الإفريقية، وبالتالي على الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.
آفاق مستقبلية لـ التعاون الإفريقي الأوروبي
بالنسبة لإعادة إحياء العلاقات الإفريقية الأوروبية، يعتبر الخبراء أن القمة تمثل نقطة تحول. فإذا تمكن القادة من اغتنام هذه اللحظة، فإن لواندا يمكن أن تشكل بداية لمرحلة أكثر واقعية وتطلعاً إلى المستقبل في العلاقة بين القارتين. هذه المرحلة يجب أن تركز على المجالات ذات الأولوية المشتركة، مثل التنمية الاقتصادية المستدامة، والأمن، والطاقة المتجددة، والتعليم.
يؤكد روس وأماري على أن أوروبا تظل شريكاً حيوياً لإفريقيا، فهي السوق الأكبر للصادرات الإفريقية، والمصدر الرئيسي للاستثمار وتمويل التنمية والتكنولوجيا. كما أن الاتحاد الأوروبي يعتبر حليفاً دبلوماسياً رئيسياً لإفريقيا في المنتديات العالمية، حيث تسعى الحكومات الإفريقية إلى إصلاحات بشأن الديون، وتمويل المناخ، والحوكمة العالمية.
ومع ذلك، فإن الخبراء يحذرون من أن القمة قد تفشل في تحقيق أهدافها إذا لم يتمكن القادة من التغلب على التحديات الداخلية والخارجية التي تواجههم. وفي هذه الحالة، فإن القارتين تخاطران بالانجراف إلى شراكة تحددها الفرص الضائعة، بدلاً من العمل نحو صياغة استراتيجية مشتركة.
نحو شراكة أكثر توازناً وفعالية
لتحقيق شراكة ناجحة بين إفريقيا وأوروبا، من الضروري أن تقوم هذه الشراكة على مبادئ المساواة والاحترام المتبادل. يجب أن تتجاوز هذه الشراكة العلاقات التقليدية القائمة على المساعدات والمنح، وأن تركز على بناء علاقات تجارية واستثمارية متبادلة المنفعة. علاوة على ذلك، يجب أن تشارك الدول الإفريقية بشكل فعال في صياغة وتنفيذ السياسات التي تؤثر على القارة.
بشكل عام، يمكن القول أن قمة لواندا تمثل فرصة تاريخية لإعادة تحديد مستقبل التعاون الإفريقي الأوروبي. النجاح في استغلال هذه الفرصة يتطلب رؤية استراتيجية، والتزاماً سياسياً قوياً، وقدرة على التكيف مع التغيرات المتسارعة في العالم. إن مستقبل القارتين قد يعتمد إلى حد كبير على نتائج هذه القمة.
