في خطوة غير مسبوقة تعكس حالة الضغط الشديد داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، قرر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، يوم الأحد الموافق 23 نوفمبر 2025، إقالة عدد من كبار الضباط، وذلك على خلفية الإخفاقات التي أظهرها الجيش في مواجهة عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها حركة حماس في السابع من أكتوبر 2023. هذه القرارات تأتي بعد أشهر من التحقيقات والتقييمات، وتحديداً في أعقاب نتائج لجنة “ترجمان” التي كشفت عن ثغرات جوهرية في الاستعداد والرد على الهجوم. هذه التطورات تضع الجيش الإسرائيلي أمام تحديات جديدة وتثير تساؤلات حول مستقبل القيادة العسكرية.
إقالة كبار الضباط: رد فعل على فشل 7 أكتوبر
القرارات التي اتخذها زامير لم تكن مفاجئة للكثيرين، خاصةً بعد الانتقادات اللاذعة التي طالت الجيش الإسرائيلي بسبب عدم قدرته على توقع الهجوم أو الاستجابة له بشكل فعال. الإقالات شملت ضباطاً شغلوا مناصب حساسة قبل وأثناء الهجوم، مما يشير إلى أن المسؤولية المباشرة عن الإخفاقات تم تحديدها بدقة. الهدف من هذه الإجراءات هو تحمل المسؤولية وإعادة الثقة في الجيش، بالإضافة إلى إرسال رسالة واضحة بأن أي تقصير في حماية أمن إسرائيل لن يمر دون عقاب.
الضباط المُقالون وتفاصيل التغييرات
من أبرز الضباط الذين شملتهم الإقالة رئيس شعبة العمليات السابق، اللواء عوديد بسيوك، والذي كان مسؤولاً عن التخطيط الاستراتيجي للجيش. كما تم إعفاء ضابط الاستخبارات بفرقة غزة من منصبه، بالإضافة إلى عدد آخر من الضباط الكبار. الأمر لم يتوقف عند الإقالة، بل امتد ليشمل الضباط الذين قدموا استقالاتهم سابقاً، حيث قرر زامير عدم قبول استقالاتهم بل اعتبارهم مُقالين، وهو ما سيؤثر على سجلهم العسكري ومستقبلهم المهني.
وتضمنت القرارات أيضاً ما يلي:
- اللواء بالاحتياط أهارون حاليفا: رئيس الاستخبارات العسكرية السابق، تم إعفاؤه من خدمة الاحتياط.
- اللواء يارون فينكلمان: قائد المنطقة الجنوبية السابق، تم إعفاؤه من خدمة الاحتياط.
- اللواء تومِر بار: قائد سلاح الجو، سيُوجه له “توبيخ قيادي” بسبب فشل سلاح الجو في حماية سماء إسرائيل من التهديدات الجوية، خاصةً الطائرات المسيّرة.
- دافيد ساعر سلاما: قائد سلاح البحريّة، سيُوجه له أيضاً “توبيخ قيادي”.
- اللواء شلومي بِندر: رئيس الاستخبارات العسكرية الحالي (وكان قائد العمليات في 7 أكتوبر)، سيُوجه له “توبيخ قيادي” وسيتقاعد بعد انتهاء فترة ولايته.
“توبيخ قيادي” بدلاً من الإقالة: رسائل ضمنية
اللافت في قرارات زامير هو استخدام عقوبة “التوبيخ القيادي” لبعض الضباط، بدلاً من إقالتهم بشكل مباشر. هذا الإجراء يحمل رسائل ضمنية، فهو يعترف بمسؤولية الضابط عن الإخفاقات، ولكنه في الوقت نفسه يتيح له فرصة للبقاء في الجيش، وإن كان في موقع أقل حساسية. قد يكون الهدف من ذلك هو الحفاظ على الخبرات والكفاءات داخل الجيش، مع التأكيد على ضرورة التحسين والتطوير. القيادة العسكرية في إسرائيل تواجه ضغوطاً كبيرة لإعادة بناء الثقة، وهذه القرارات تعكس محاولة لإيجاد توازن بين المساءلة والحفاظ على الاستقرار.
تداعيات القرارات على الجيش الإسرائيلي
من المتوقع أن يكون لهذه القرارات تداعيات كبيرة على الجيش الإسرائيلي، حيث أنها قد تؤدي إلى “هزة داخل الجيش” كما وصفها مراقبون. إقالة هذا العدد من الضباط الرفيعي المستوى قد تخلق فراغاً قيادياً وتؤثر على معنويات الجنود. الأمن القومي الإسرائيلي يعتمد بشكل كبير على كفاءة الجيش وثباته، لذا فإن أي اضطراب في صفوفه قد يشكل تهديداً حقيقياً. بالإضافة إلى ذلك، قد تثير هذه القرارات جدلاً سياسياً واسعاً، حيث أن بعض الأطراف قد ترى أنها غير كافية لتحقيق المساءلة الكاملة، بينما قد يرى البعض الآخر أنها مبالغ فيها وتضر بالجيش.
تحليل أعمق: لجنة ترجمان ودورها في الإقالات
لجنة “ترجمان” التي شكلها الجيش الإسرائيلي للتحقيق في ملابسات هجوم 7 أكتوبر، لعبت دوراً محورياً في تحديد المسؤوليات واتخاذ القرارات بالإقالة. التقرير الذي قدمته اللجنة كان قاسياً في تقييمه لأداء الجيش، وكشف عن سلسلة من الإخفاقات في مجالات الاستخبارات والتخطيط والاستجابة. عملية عسكرية فاشلة مثل تلك التي حدثت في 7 أكتوبر تتطلب تقييماً شاملاً وتحديداً دقيقاً للأسباب، وهو ما حاولت لجنة “ترجمان” القيام به. القرارات التي اتخذها زامير بناءً على توصيات اللجنة تعكس التزاماً بالشفافية والمساءلة، ورغبة في التعلم من الأخطاء وتجنب تكرارها في المستقبل.
في الختام، تعتبر قرارات رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بإقالة كبار الضباط خطوة جريئة ومهمة، تهدف إلى تحمل المسؤولية عن إخفاقات 7 أكتوبر وإعادة الثقة في الجيش. ومع ذلك، فإن هذه القرارات قد تحمل في طياتها تداعيات غير متوقعة، وتضع الجيش الإسرائيلي أمام تحديات جديدة تتطلب قيادة حكيمة ورؤية استراتيجية واضحة. من الضروري متابعة هذه التطورات عن كثب، وتحليل تأثيرها على الوضع الإقليمي والأمن القومي الإسرائيلي.
