أعلنت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن مصادرة مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في الأغوار الشمالية، ما يثير قلقاً بالغاً حول مستقبل المنطقة وتداعياته على السكان المحليين. وتأتي هذه الخطوة في إطار سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى تعزيز السيطرة الإسرائيلية على هذه المنطقة الاستراتيجية، وتقويض الوجود الفلسطيني فيها. تتضمن المصادرة إصدار 9 أوامر “وضع يد” على ما مجموعه 1042 دونماً، بهدف شق طريق عسكرية، لكنها تحمل في طياتها أبعاداً أوسع تتعلق بالتوسع الاستيطاني وتقسيم الأراضي الفلسطينية. هذا المقال يتناول تفاصيل هذه المصادرة، وأهدافها الحقيقية، وتداعياتها القانونية والسياسية، بالإضافة إلى استعراضً للتحولات في سياسات الاحتلال تجاه الأغوار الشمالية.
مصادرة الأراضي في الأغوار الشمالية: تفاصيل وأبعاد
أفادت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان بأن أوامر المصادرة الجديدة استهدفت بلدات طمون، وتياسير، وطلوزة، بالإضافة إلى مدينة طوباس. وتشير الهيئة إلى أن هذه الأوامر ليست مجرد إجراءات فردية، بل هي جزء من مشروع شامل يهدف إلى شق طريق أفقي يمتد من عين شبلي جنوباً إلى العقبة شمالاً، وبطول يصل إلى 22 كيلومتراً. وعلى الرغم من أن المبرر المعلن هو “أغراض عسكرية”، إلا أن الخرائط وتقارير الهيئة تكشف عن أهداف أبعد مدى.
التحول في تكتيكات الاحتلال
يوضح مؤيد شعبان، رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، أن الاحتلال يسعى إلى تكتيك جديد في استخدام أوامر “وضع اليد” العسكرية. فبدلاً من إصدار أمر واحد شامل، يتم إصدار سلسلة من الأوامر المنفصلة، بهدف التمويه وتفادي ردود الفعل السياسية والإعلامية. إلا أن تجميع حدود هذه الأوامر يكشف عن وجود مشروع واحد متكامل. هذه الاستراتيجية تهدف إلى خلق محور حركة جديد يربط الأغوار الشمالية بالعمق المحتل، وإحكام السيطرة على الأراضي الزراعية الفاصلة بين طوباس وضواحيها. وتعتبر هذه المنطقة من أخصب الأراضي الفلسطينية، ويمثل فقدان السيطرة عليها ضربة قوية للاقتصاد الفلسطيني المحلي.
الأهداف الحقيقية وراء شق الطريق العسكرية في طوباس
لا يقتصر دور الطريق العسكرية الجديدة على الجانب الأمني أو العسكري للاحتلال، بل يمتد ليشمل أبعاداً استراتيجية واقتصادية وسياسية. فالطريق يهدف إلى:
- عزل المجتمعات الفلسطينية: يهدف الطريق إلى حرمان المواطنين من الوصول إلى المراعي الشرقة، وإعاقة التواصل الجغرافي بين طوباس والتجمعات البدوية والزراعية المحيطة.
- تسهيل التوسع الاستيطاني: من خلال خلق منطقة عازلة، يصبح التوسع الاستيطاني في الأغوار أكثر سهولة ويسراً.
- تعزيز السيطرة على الموارد: الطريق يتيح للاحتلال السيطرة الكاملة على الموارد الطبيعية في المنطقة، بما في ذلك المياه والأراضي الزراعية.
- إنشاء بنية تحتية للضم: يمثل هذا الطريق جزءاً من خطة أوسع لضم الأغوار الشمالية إلى إسرائيل بشكل فعلي.
هذه الأهداف تتجلى بوضوح في مسار الطريق، الذي يمر عبر مساحات زراعية وسكانية واسعة، ويحاصر خربة يرزا شرق طوباس من كافة الاتجاهات.
التداعيات القانونية والسياسية لمصادرة الأراضي
يعتبر إصدار أوامر “وضع اليد” العسكرية، بدلاً من أوامر الاستملاك المدني، مخالفة للقانون الدولي. فالاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية جنيف الرابعة، تحظر على دولة الاحتلال تغيير التركيبة السكانية للأراضي المحتلة، أو مصادرة الأراضي لأغراض لا تتعلق بالأمن القومي.
كما أن تقسيم الأراضي الفلسطينية عبر شق طرق التفافية، كما هو الحال في الأغوار الشمالية، يشكل خرقاً واضحاً للمادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة. ويهدف هذا التقسيم إلى عزل المجتمعات الفلسطينية، وتسهيل السيطرة الإسرائيلية على المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، تشير التجارب السابقة إلى أن غالبية “الطرق العسكرية” يتم تحويلها لاحقاً إلى طرق تخدم المستعمرات، أو محاور فصل بين التجمعات الفلسطينية.
مستقبل الأغوار الشمالية: بين المقاومة والتهديد
إن مصادرة الأراضي في الأغوار الشمالية ليست مجرد حادثة عابرة، بل هي جزء من سياسة إسرائيلية طويلة الأمد تهدف إلى تهويد المنطقة، وتقويض الوجود الفلسطيني فيها. وتسعى إسرائيل إلى الاستفادة من الأغوار الشمالية، نظراً لأهميتها الاستراتيجية والاقتصادية. فهي تمثل مخزناً رئيسياً للمياه، وتضم أراضي زراعية خصبة، وتمثل بوابة للعمق المحتل.
ومع ذلك، فإن الفلسطينيين يرفضون هذه السياسات، ويعملون على مقاومتها بكل الوسائل المتاحة. إن الأغوار الشمالية تمثل رمزاً للصمود الفلسطيني، وستظل أرضاً عربية مهما كانت التحديات. إن مواجهة هذا التحدي تتطلب تكاتفاً فلسطينياً، ودعماً دولياً، لتحقيق العدالة وإنصاف الشعب الفلسطيني.
كلمات مفتاحية مستهدفة: الأغوار الشمالية
كلمات مفتاحية ثانوية: مصادرة الأراضي، الاستيطان الإسرائيلي، طريق عسكرية
لذا، يجب على المجتمع الدولي التدخل الفوري لوقف هذه المصادرة، وممارسة الضغط على إسرائيل لاحترام القانون الدولي، وحقوق الإنسان. كما يجب دعم المشاريع التنموية في الأغوار الشمالية، لتعزيز صمود السكان المحليين، وتمكينهم من مواجهة التحديات. إن مستقبل الأغوار الشمالية ليس مجرد قضية فلسطينية، بل هو قضية إنسانية تستدعي تضامن الجميع.
