اكتشاف مذهل هزّ أوساط علم الأحياء القديمة، حيث أعلن باحثون كنديون عن العثور على نوع منقرض من وحيد القرن عاش في القطب الشمالي قبل حوالي 23 مليون سنة. هذا الاكتشاف التاريخي، الذي يعود إلى فترة العصر الميوسيني المبكر، يجعل هذا النوع أقدم وأبعد الأنواع المعروفة في سجلات هذه الحيوانات المهيبة. يفتح هذا الاكتشاف نافذة جديدة لفهم تطور وانتشار هذه الفصيلة عبر القارات القديمة، ويقدم رؤى جديدة حول الحياة في القطب الشمالي قبل ملايين السنين.
اكتشاف هيكل عظمي شبه كامل في جزيرة ديفون
أجرى فريق البحث، التابع للمتحف الكندي للطبيعة، دراسة مفصلة على الهيكل العظمي شبه الكامل لـوحيد القرن المكتشف. جرى العثور على الحفريات في ترسبات بحيرة فوسيلية داخل فوهة هاوتون في جزيرة ديفون، وهي جزء من إقليم نونافوت الكندي. تُعد فوهة هاوتون موقعاً فريداً بسبب الظروف المثالية التي توفرت لحفظ بقايا الكائنات الحية، حيث كانت بحيرة قديمة تشكلت داخل الفوهة الناتجة عن اصطدام نيزكي قبل ملايين السنين.
وصف النوع الجديد: “إبياسيراثيريوم إتجيليك”
أطلق العلماء على هذا النوع الجديد اسم “إبياسيراثيريوم إتجيليك” (Epiaceratherium itigilli), وهو اسم مستوحى من كلمة في لغة الإنويت تعني “المتجمد” أو “المكسو بالصقيع”. هذا الاسم يخلد ذكر البيئة القطبية التي عاش فيها هذا وحيد القرن قبل أن ينقرض. وأكدت دانييل فريزر، رئيسة قسم علم الأحافير في المتحف الكندي للطبيعة، أن هذا الاكتشاف يمثل إضافة هامة إلى شجرة عائلة وحيد القرن، ويغير فهمنا لتاريخ تطورها وانتشارها حول العالم.
بيئة حياة وحيد القرن القطبي
تشير الدراسة إلى أن وحيد القرن القطبي عاش في بيئة غابية معتدلة المناخ في جزيرة ديفون، وهو ما يدل على اختلاف كبير عن مناخ المنطقة الحالي المتجمد. كانت الجزيرة مغطاة بالغابات والبحيرات في ذلك الوقت، وشارك هذا الحيوان في بيئة متنوعة ضمت أنواعًا أخرى من الثدييات القديمة مثل القوارض والأرانب، بالإضافة إلى حيوان بحري انتقالي يُعرف باسم “بويجيلا دارويني”، وهو السلف المبكر للفقمات الحديثة. وبالرغم من انتمائه لفصيلة وحيد القرن إلا أنه كان يفتقر إلى القرن الذي يميز معظم أنواعها.
حجم وشكل وحيد القرن المكتشف
أظهرت التحليلات أن وحيد القرن المكتشف كان صغير الحجم نسبياً مقارنة بأنواع أخرى من فصيلته، حيث كان يقارب في حجمه وحيد القرن الهندي المعاصر. واستنتج الباحثون من خلال دراسة تآكل أسنان الفك أن العينة تعود إلى حيوان في مرحلة البلوغ المبكر أو المتوسط. حالة الحفظ الجيدة للعظام، التي تم استعادتها بنسبة 75%، سمحت للباحثين بإجراء دراسة دقيقة وشاملة.
“جسر اليابسة الأطلسي الشمالي” وتأثيره على الانتشار الجغرافي
أكدت النتائج أن النوع القطبي الجديد يرتبط ارتباطاً وثيقاً بأنواع أقدم عاشت في أوروبا قبل ملايين السنين. يشير هذا إلى أن وحيد القرن هاجر إلى أمريكا الشمالية عبر “جسر اليابسة الأطلسي الشمالي”، وهو ممر بري قديم كان يربط بين القارتين عبر جرينلاند. وقد كان الاعتقاد السائد بأن هذا الجسر لم يعد صالحاً لعبور الحيوانات منذ حوالي 56 مليون سنة، لكن الدراسة الجديدة تشير إلى أن حركة الانتشار البرية بين أوروبا وأمريكا الشمالية ربما استمرت حتى العصر الميوسيني.
أهمية الاكتشاف لمستقبل البحوث
يعد هذا التحليل الجغرافي الحيوي خطوة مهمة لإعادة تقييم تاريخ انتشار الثدييات عبر القارات. وشددت فريزر على أن وجود وحيد القرن القطبي يبرهن على أن الجسر البري عبر شمال الأطلسي كان ذا أهمية أكبر بكثير في تاريخ تطور هذه الحيوانات مما كان يُعتقد سابقاً. وتؤكد فريزر أن هذا الاكتشاف هو مجرد بداية، وأن القطب الشمالي لا يزال يخفي قصصاً غير مكتشفة من الماضي السحيق. القطب الشمالي يمثل أرشيفاً زمنياً مذهلاً لحياة الماضي، وكل اكتشاف جديد يعيد تشكيل تصور العلماء لتاريخ تطور الثدييات. كما أن هذا الاكتشاف يحفز على المزيد من الدراسات حول تاريخ الانتشار الجغرافي للحيوانات وعلاقتها بالتغيرات المناخية والجيولوجية.
هيكل وحيد القرن “إتجيليك” محفوظ حالياً في المتحف الكندي للطبيعة في أوتاوا، بعد أعمال تنظيف وتحضير دقيقة. هذا الاكتشاف الفريد يضيف صفحة جديدة إلى سجل الحياة على الأرض ويدعونا إلى إعادة النظر في فهمنا لتاريخ الثدييات وتطورها.
اقرأ أيضاً
دراسة تحل لغز اختفاء الهيكل العظمي للسحالي والثعابين في سجل الحفريات
فسرت دراسة حديثة أسباب اختفاء معظم الهيكل العظمي للسحالي والثعابين والتي تظهر في سجل الحفريات على شكل أجزاء متناثرة تشمل عظام معزولة من الفك أو فقرات صغيرة فقط.