تحوّلت الهدايا التي يتبادلها الموظفون في بيئة العمل إلى عرف اجتماعي يعكس مشاعر المحبة والتقدير، إلا أنها باتت تُشكّل عبئاً مادياً متكرراً، مع تزايد المناسبات، وارتفاع قيمة الهدايا، خصوصاً تلك التي تُشترى من علامات تجارية عالمية. هذا الواقع الجديد يثير تساؤلات حول التوازن بين التعبير عن التقدير وبين الضغوط المالية التي قد يتعرض لها الموظفون. هذه المقالة تتناول بالتفصيل هذه القضية، وتستعرض وجهات نظر مختلفة حول ظاهرة هدايا الموظفين في بيئة العمل.
تطور عادة تبادل الهدايا وتحولها إلى عبء مالي
بدأت فكرة تبادل الهدايا بين الزملاء في بيئة العمل كمبادرة جميلة، تهدف إلى مشاركة الأفراح والمناسبات السعيدة وتقوية الروابط الاجتماعية. ومع مرور الوقت، تحولت هذه المبادرة العفوية إلى ما يشبه الالتزام غير المعلن، خاصة مع ازدياد المناسبات المختلفة مثل أعياد الميلاد، والترقيات، والعودة من الإجازات، والمناسبات الخاصة. يجد العديد من الموظفين، وخاصة ذوي الدخل المحدود، أنفسهم في موقف محرج بسبب ارتفاع قيمة الهدايا المطلوبة وتكرار الدعوات للمشاركة.
الضغوط النفسية والمادية على الموظفين
أكد موظفون في القطاعين الحكومي والخاص أنهم يشعرون بضغط للمساهمة في شراء الهدايا، حتى وإن كانت ظروفهم المادية لا تسمح بذلك. بعض الأقسام لا تضع سقفاً للمساهمة، مما يزيد من هذا الشعور بالضغط. كما أن تحول الهدايا إلى وسيلة للمقارنة والتفاخر بدلاً من كونها تعبيراً رمزياً عن التقدير، يفاقم المشكلة. دانة أحمد، موظفة في جهة حكومية، أشارت إلى أن المبلغ المطلوب للمساهمة قد يتجاوز قدرة بعض الزملاء، خاصة في الاحتفالات الكبيرة مثل وداع الموظفين المتقاعدين.
ارتفاع تكاليف الهدايا وتأثيرها على الميزانية
لم تعد الهدايا تقتصر على الهدايا الرمزية مثل باقات الورد أو الخواتم الصغيرة، بل أصبحت تتضمن هدايا فاخرة قد تصل قيمتها إلى آلاف الدراهم. تقدر مساهمة الموظف الواحد في الهدية الواحدة ما بين 200 و500 درهم، وقد تصل إلى 800 أو 900 درهم، بل وحتى 1200 درهم في بعض الحالات. هذا الارتفاع في التكاليف يضع عبئاً مالياً ثقيلاً على الموظفين، خاصة مع تكرار المناسبات والاحتفالات.
التوازن بين التقدير والمشاركة الإجبارية
يطرح هذا الوضع تساؤلاً هاماً: كيف يمكن تحقيق التوازن بين التعبير عن التقدير للزملاء وبين تجنب الضغوط المالية والمشاعر السلبية؟ شيخة الزحمي، موظفة في القطاع الحكومي، ترى أن تبادل هدايا الموظفين يحمل في جوهره روحاً إيجابية، لكنه يثير في الوقت نفسه حساسيات غير مريحة، حيث أصبح الموظفون يقيسون مكانتهم بنوع الهدية التي يتلقونها. وهناك من يفضلون تقديم الهدايا للأشخاص المقربين فقط، لتجنب الشعور بالإحراج.
سياسات المؤسسات ودورها في تنظيم عملية التهادي
بعض المؤسسات تحرص على تعزيز بيئة عمل إيجابية، لكنها في الوقت نفسه تضع ضوابط واضحة لمنع قبول الهدايا التي قد تفسر على أنها رشوة. موزة محمد الذباحي، موظفة في جهة حكومية، أشارت إلى أن التهادي بين الزميلات والزملاء أمر مقبول، ولكن يجب أن يكون نابعًا من وعي ورغبة شخصية، ولا يجوز إجبار أي موظف على المشاركة.
العادات والتقاليد الإماراتية وأثرها على ثقافة الهدايا
حليمة أحمد سيف النقبي ترى أن تبادل الهدايا بين الموظفين هو امتداد طبيعي للعادات والتقاليد الإماراتية الأصيلة التي تعلي من قيمة التكاتف والتراحم بين الناس. فالمجتمع الإماراتي تربى على مبدأ “الفزعة” والمشاركة في الأفراح والأحزان، والهدايا تعتبر وسيلة للتعبير عن المحبة والتقدير. ومع ذلك، يجب أن تبقى النية الطيبة هي الأساس، وأن يتم تقديم الهدايا بحسب الاستطاعة، دون إفراط أو تفاخر.
تطوير بيئة عمل صحية ومتوازنة
الدكتورة ليلى حبيب البلوشي، مستشارة ومدربة في مجال التنمية البشرية والإدارية، تؤكد أن هدايا الموظفين تعكس روح الكرم الإماراتي وحب المشاركة، لكنها تشدد على ضرورة تحقيق التوازن للحفاظ على القيمة المعنوية لهذه الممارسة. وترى أن تكرار المناسبات وغياب السقف المالي للمساهمة يشكلان عبئاً على الموظفين. تقترح البلوشي أن تتولى المؤسسات جمع المبالغ بطريقة تحفظ الخصوصية وتجنب الإحراج، وأن يتم تقليل عدد الفعاليات وتجميع المناسبات في احتفالية رمزية واحدة.
الخلاصة: نحو ثقافة تقدير حقيقية
في الختام، يمكن القول أن هدايا الموظفين يمكن أن تكون وسيلة فعالة لتعزيز العلاقات الإيجابية في بيئة العمل والتعبير عن التقدير، ولكن يجب أن تتم بشكل معقول ومتوازن. يجب أن تكون المشاركة طوعية، وأن يتم احترام الظروف المادية لكل موظف، وأن لا تتحول الهدايا إلى وسيلة للتفاخر أو الضغط. إن بناء ثقافة تقدير حقيقية يعتمد على الاحترام المتبادل والتقدير الجوهري لكل فرد، وليس على قيمة الهدايا المقدمة. لذا، يجب على المؤسسات والموظفين العمل معاً لخلق بيئة عمل صحية وسعيدة، حيث يشعر الجميع بالتقدير والاحترام دون الشعور بأي عبء مالي أو ضغط نفسي.
