محمد الحداد، اسم ارتبط بالجيش الليبي خلال السنوات الأخيرة، وبرز كشخصية محورية في مساعي توحيد المؤسسة العسكرية الليبية. شهدت ليبيا، بعد أحداث 2011، انقسامات سياسية وعسكرية عميقة، وكان محمد الحداد في قلب الجهود المبذولة لردم الهوة وإعادة بناء جيش وطني موحد. هذا المقال يسلط الضوء على مسيرته المهنية، إنجازاته، ودوره في تشكيل مستقبل الأمن والدفاع في ليبيا، وصولاً إلى الحادث المأساوي الذي أنهى حياته.
من هو محمد الحداد؟ نظرة عامة
محمد الحداد، الاسم الكامل محمد علي أحمد الحداد، هو فريق أول ركن، وهو أعلى رتبة عسكرية في الجيش الليبي. يشغل منصب رئيس الأركان العامة للجيش الليبي، وهو منصب تولاه في ظل حكومة الوحدة الوطنية. ولد في مدينة مصراتة، ليبيا، وأصبح رمزاً للجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار العسكري والسياسي في البلاد. لم تكن مسيرته مجرد ترقيات عسكرية، بل كانت انعكاساً للتحديات التي واجهت ليبيا في فترة انتقالية معقدة.
البدايات العسكرية في مصراتة وصعود القيادي الميداني
بدأ محمد الحداد مسيرته العسكرية في مدينة مصراتة، حيث برز كقائد ميداني فعال بعد أحداث عام 2011. اكتسب سمعة طيبة لقيادته لـ “لواء الحلبوص”، وهي قوة عسكرية بارزة لعبت دوراً حاسماً في تأمين المنطقة الغربية من ليبيا. كان اللواء الحلبوص من بين التشكيلات العسكرية الرئيسية التي ساهمت في استعادة الأمن والنظام في مصراتة والمناطق المحيطة بها.
في يونيو 2017، تم تعيينه آمراً “للمنطقة العسكرية الوسطى”، وهي منطقة ذات أهمية استراتيجية كبيرة. هذا التعيين عزز من مكانته كقائد عسكري قادر على التعامل مع الملفات الأمنية المعقدة وحماية المناطق الحيوية في البلاد. أظهر الحداد قدرة على التخطيط الاستراتيجي وتنفيذ العمليات العسكرية بكفاءة عالية، مما جعله خياراً منطقياً للمناصب العليا في المستقبل.
رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي: نقطة تحول
شكل تعيين محمد الحداد رئيساً للأركان العامة للجيش الليبي في 29 أغسطس 2020، من قبل رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني آنذاك، فائز السراج، نقطة تحول في مسيرته المهنية. هذا التعيين، بالإضافة إلى ترقيته إلى رتبة فريق أول، أكد الثقة في قدراته القيادية ورؤيته لتطوير الجيش الليبي.
استمر الحداد في منصبه بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، مما يدل على استمرارية الثقة به من قبل السلطة التنفيذية الجديدة. بصفته أعلى سلطة عسكرية في المنطقة الغربية، عمل بجد لتحقيق الاستقرار العسكري وتعزيز الوحدة الوطنية. كما سعى إلى تطوير قدرات الجيش الليبي من خلال التعاون مع دول صديقة.
جهود توحيد المؤسسة العسكرية: حجر الزاوية في مسيرته
ركزت فترة تولي محمد الحداد لرئاسة الأركان العامة على جهود مكثفة لتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية. كانت هذه المهمة صعبة للغاية نظراً للانقسامات العميقة التي كانت تعاني منها البلاد. ومع ذلك، تمكن الحداد من تحقيق بعض التقدم الملموس من خلال التواصل والتعاون مع الأطراف العسكرية في شرق ليبيا.
لقاءات تاريخية مع الناظوري
سجل التاريخ العسكري الليبي لقاءات “غير مسبوقة” جمعت الحداد بنظيره في المنطقة الشرقية، الفريق أول عبد الرزاق الناظوري. هذه اللقاءات، التي جرت في مدينتي سرت وطرابلس، كانت بمثابة خطوات مهمة نحو بناء الثقة بين الطرفين.
وشملت هذه الاجتماعات مناقشة قضايا حيوية مثل:
- إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا.
- تشكيل قوة عسكرية مشتركة لتأمين الحدود والجنوب الليبي.
- تبادل المعلومات والخبرات بين الجانبين.
الدبلوماسية العسكرية والعلاقات الدولية
لم يقتصر دور محمد الحداد على الجانب الميداني، بل امتد ليشمل الدبلوماسية العسكرية. قام بزيارات عديدة إلى دول إقليمية ودولية بهدف تعزيز التعاون العسكري وتطوير القدرات العسكرية الليبية.
- تركيا: وقّع اتفاقيات لتدريب القوات الليبية وتوفير الدعم اللوجستي.
- إيطاليا: وقّع اتفاقاً فنياً لتدريب القوات الخاصة الليبية في روما عام 2023.
- دول الجوار: أجرى زيارات رسمية إلى تونس والجزائر لتعزيز التنسيق الأمني الحدودي ومكافحة الإرهاب.
هذه الجهود الدبلوماسية ساهمت في تحسين صورة الجيش الليبي على الساحة الدولية وتعزيز مكانته كشريك موثوق به في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. كما ساعدت في الحصول على الدعم اللازم لتطوير قدرات الجيش الليبي.
نهاية مأساوية: حادث طائرة أنقرة
في ديسمبر 2025، انتهت مسيرة محمد الحداد المهنية بشكل مأساوي. فقد لقي حتفه في حادث تحطم طائرة خاصة بالقرب من أنقرة، تركيا. كان الحداد في طريقه إلى طرابلس برفقة عدد من كبار القادة العسكريين، بمن فيهم رئيس أركان القوات البرية ومدير جهاز التصنيع العسكري.
أثار الحادث صدمة كبيرة في الأوساط الليبية، حيث فقدت البلاد أحد أهم مهندسي التوافق العسكري. أعربت العديد من الدول والمنظمات الدولية عن تعازيها في وفاة الحداد والقيادات العسكرية الأخرى. يُعد رحيل محمد الحداد خسارة فادحة لليبيا، خاصة في ظل الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار والوحدة الوطنية. وسيظل اسمه محفوراً في ذاكرة الجيش الليبي كرمز للوطنية والتفاني في خدمة البلاد.
الكلمات المفتاحية الثانوية: الجيش الليبي، حكومة الوحدة الوطنية، توحيد المؤسسة العسكرية، الأمن والدفاع الليبي.


