في أعقاب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن نجاح حملته في الحد من تهريب المخدرات والهجرة غير الشرعية، برزت دوافع جديدة ومثيرة للجدل وراء تصعيد واشنطن ضد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو. لم يعد الأمر مقتصراً على مكافحة الجريمة، بل امتد ليشمل اتهامات بالسرقة وتمويل الإرهاب، مما يثير تساؤلات حول مستقبل العلاقات بين البلدين واحتمالات تدخل عسكري. هذا التحول في الخطاب يضع فنزويلا في قلب عاصفة سياسية واقتصادية، ويستدعي تحليلًا معمقًا للأسباب والتداعيات المحتملة.
تصعيد التوترات: من مكافحة المخدرات إلى اتهامات بالسرقة
بعد إعلانه عن تقليل عمليات تهريب المخدرات عبر البحر إلى 94% وخفض أعداد المهاجرين غير الشرعيين إلى “الصفر”، كشف ترامب عن وجهة نظر جديدة تربط مادورو بأنشطة إجرامية. اتهم الرئيس الأمريكي فنزويلا بـ “سرقة النفط والأراضي وغيرها من الأصول العائدة للولايات المتحدة”، واستخدام عائدات هذه المصادرات لتمويل “أنشطة إجرامية”. هذه الاتهامات تشير بشكل مباشر إلى عمليات التأميم التي بدأت في فنزويلا منذ سنوات، والتي طالت شركات النفط الأمريكية.
هذا التصريح يمثل تحولًا ملحوظًا في استراتيجية الإدارة الأمريكية. فبدلاً من التركيز على مكافحة المخدرات والهجرة غير الشرعية، باتت القضية تتعلق باستعادة ما يعتبره ترامب “ممتلكات أمريكية” مسروقة. وقد هدد ترامب بزيادة القوة العسكرية الأمريكية المتمركزة في منطقة البحر الكاريبي، مؤكدًا أن الصدمة التي ستلحق بفنزويلا ستكون “غير مسبوقة” إذا لم يتم استرجاع هذه الأصول فورًا.
الضغط العسكري والاقتصادى: حصار النفط و”الصراع المسلح”
لم يقتصر الأمر على التصريحات، بل ترجمت الإدارة الأمريكية تهديداتها إلى إجراءات ملموسة. فرض ترامب حصارًا على جميع السفن الخاضعة للعقوبات والتي تنقل النفط الفنزويلي، كما شنت القوات الأمريكية غارات بحرية أدت إلى مقتل أكثر من 100 شخص. هذه العمليات العسكرية، إلى جانب تصريحات ترامب المتصاعدة، تشير إلى أن واشنطن لم تعد تخفي سعيها لإزاحة مادورو عن السلطة.
وفي مقابلة مع صحيفة “بوليتيكو”، صرح ترامب بأن “أيام مادورو باتت معدودة”، وأكد في مقابلة أخرى مع شبكة “إن بي سي” أنه “لا يستبعد” اندلاع حرب مع فنزويلا. هذا التصريح الأخير يثير قلقًا بالغًا بشأن مستقبل المنطقة، ويؤكد أن الخيارات العسكرية أصبحت مطروحة على بساط البحث. العقوبات الاقتصادية المفروضة على فنزويلا تزيد من الضغوط على البلاد، وتفاقم الأزمة الإنسانية.
اتهامات بالارهاب وعلاقات الكارتل
تجاوزت الاتهامات مجرد السرقة، لتشمل اتهامات بالارتباط بالإرهاب. وصفت الإدارة الأمريكية مادورو بأنه زعيم عصابة “كارتل دي لوس سوليس”، وهي شبكة يُزعم أنها تضم مسؤولين سياسيين وأمنيين كبارًا في فنزويلا، وتتهمها واشنطن بتهريب البشر والمخدرات لتمويل هجمات إرهابية داخل الولايات المتحدة.
وتشير بعض التقارير إلى أن المسؤولين الأمريكيين يناقشون خيارين لمادورو: إما المثول أمام المحكمة بتهمة تهريب المخدرات، أو الحصول على فرصة للتفاوض على مغادرته إلى المنفى. هذه السيناريوهات تعكس تصميم الإدارة الأمريكية على محاسبة مادورو، حتى لو تطلب ذلك تدخلًا عسكريًا.
ردود الفعل والانقسامات الداخلية
على الرغم من التصعيد الحاد، حاولت نائبة المتحدثة باسم البيت الأبيض، آنا كيلي، التقليل من شأن التوترات، مؤكدة أن ترامب اتخذ بالفعل إجراءات حاسمة لوقف الهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات، وأن الرئيس لا يزال يملك جميع الخيارات المتاحة لضمان سلامة الأمريكيين.
إلا أن هذه التصريحات لم تنجح في تهدئة المخاوف. فقد أعرب بعض أعضاء الكونغرس عن معارضتهم الشديدة للعمليات العسكرية الأمريكية في منطقة البحر الكاريبي، مطالبين بتفويض تشريعي قبل أي تدخل عسكري محتمل في فنزويلا. في المقابل، دعا أعضاء آخرون ترامب إلى اتخاذ خطوات أكثر حزماً.
دوافع “أمريكا أولاً” وتأثير الشخصيات الرئيسية
يبدو أن تركيز ترامب على الأزمة الفنزويلية يتجاوز مجرد مكافحة المخدرات والهجرة، ليشمل أهدافًا سياسية داخلية. تعتبر استراتيجية الأمن القومي الجديدة للإدارة الأمريكية إعادة توجيه التركيز نحو نصف الكرة الغربي أولوية، مع مكافأة الدول التي تلتزم بسياسات “أمريكا أولاً” ومعاقبة الدول التي لا تلتزم بها.
يلعب كل من وزير الخارجية ماركو روبيو ونائب رئيس موظفي البيت الأبيض ستيفن ميلر دورًا محوريًا في تشكيل سياسة الإدارة الأمريكية تجاه فنزويلا. يرى روبيو أن انهيار الحكومة الفنزويلية هو مفتاح لتقويض النظام الشيوعي في كوبا، بينما يعتبر ميلر أن الفنزويليين الذين فروا إلى الولايات المتحدة يمثلون هدفًا سياسيًا سهلاً.
مستقبل التدخل العسكري: خيارات محدودة
يرى الخبراء والمحلسون أنه إذا لم تنجح الضغوط الحالية في دفع مادورو إلى مغادرة السلطة، فلن يبقى أمام الولايات المتحدة سوى خيارين: إما الانسحاب من هذا المسار، أو المضي قدمًا في تغيير النظام باستخدام القوة. ومع ذلك، فإن احتمال الغزو العسكري البري يظل خيارًا غير مقبول، نظرًا للمخاطر المحتملة المتمثلة في سقوط قتلى أميركيين.
وقد حذر إليوت أبرامز، المبعوث الخاص لترامب إلى فنزويلا، من أن مادورو قد ينجو من هذه الضغوط، مما قد يمثل هزيمة للإدارة الأمريكية. ويبدو أن ترامب يراهن على أن الضغوط العسكرية والاقتصادية ستؤدي إلى انهيار نظام مادورو، دون الحاجة إلى تدخل عسكري واسع النطاق.
في الختام، يمثل التصعيد الأمريكي ضد فنزويلا تطورًا خطيرًا يحمل في طياته مخاطر كبيرة. فالتهديدات العسكرية والحصار الاقتصادي قد تؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في فنزويلا، وزعزعة استقرار المنطقة بأكملها. من الضروري أن تسعى الأطراف المعنية إلى حل سلمي لهذه الأزمة، وتجنب أي تدخل عسكري قد يكون له عواقب وخيمة. الوضع في فنزويلا يتطلب حوارًا بناءً وتعاونًا دوليًا لضمان مستقبل مستقر ومزدهر للبلاد وشعبها.

