في سياق التطورات الإقليمية والدولية المتعلقة بالوضع في سوريا، صرح المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توم براك، برؤية مفادها أن مستقبل سوريا يجب أن يكون تحديده من قبل جميع مكونات الشعب السوري نفسه. هذه التصريحات، التي جاءت خلال حلقة نقاش في منتدى الدوحة، سلطت الضوء على فرصة حقيقية أمام السوريين لتحقيق السلام والوحدة والازدهار، وأثارت تساؤلات حول الرؤية الأمريكية الجديدة تجاه هذا الملف المعقد. يركز هذا المقال على تحليل تصريحات المبعوث الأمريكي، وتداعياتها المحتملة على مستقبل سوريا، مع التركيز على أهمية مستقبل سوريا والدور الذي يجب أن يلعبه المجتمع الدولي.
إنجازات دمشق بعد عام من التغيير: نظرة أمريكية
أشار المبعوث براك إلى ما وصفه بإنجازات “ملحمية وبطولية” حققتها دمشق خلال العام الذي أعقب الإطاحة بنظام بشار الأسد في ديسمبر 2024. وبدون الخوض في تفاصيل هذه الإنجازات، أكد براك أن الدور الأهم يكمن في دعم السوريين لكي يتمكنوا من بناء دولتهم ومستقبلهم بأنفسهم.
الحقوق والتمكين: محور الدعم الأمريكي
شدد المبعوث الأمريكي على أن الهدف الأساسي يجب أن يكون مساعدة السوريين على الحصول على حقوقهم، وتشجيعهم على صياغة شكل الحكومة والنظام الشامل الذي يطمحون إليه. هذه اللهجة تمثل تحولا ملحوظا في الخطاب الأمريكي، حيث تبدو واشنطن أكثر استعدادًا لقبول حقيقة أن الحل يجب أن يأتي من الداخل السوري، بدلاً من فرض رؤى خارجية. هذا التركيز على التمكين يعكس اعترافًا ضمنيًا بفشل التدخلات السابقة في المنطقة.
دروس من الماضي: تجنب التوقعات الغربية
انتقد توم براك بشدة التدخلات الغربية السابقة في المنطقة، مشيرًا إلى أن اتفاقية سايكس بيكو تمثل نموذجًا لتلك الأخطاء التي أعاقت التطور الطبيعي للمجتمعات في الشرق الأوسط. وأوضح أن محاولات فرض حلول من الخارج، سواء في ليبيا أو العراق أو غيرها من الدول، لم تكن ناجحة، بل أدت إلى مزيد من التعقيد والفوضى.
هذه التصريحات مهمة لأنها تعكس وعيًا متزايدًا داخل الإدارة الأمريكية بأهمية الابتعاد عن السياسات الاستعمارية القديمة، والسعي بدلاً من ذلك إلى بناء شراكات حقيقية مع الدول في المنطقة. يبدو أن براك يدعو إلى نهج جديد يقوم على الاحترام المتبادل والمساعدة الذاتية. تجنب تكرار أخطاء الماضي هو أمر بالغ الأهمية لضمان الاستقرار في سوريا.
الحدود السورية الإسرائيلية: عملية تدريجية
فيما يتعلق بالوضع على الحدود السورية الإسرائيلية، وصف المبعوث الأمريكي حل هذه القضية بالعملية التي تتطلب خطوات صغيرة ومتواصلة. لم يقدم براك تفاصيل محددة حول هذه الخطوات، ولكنه أكد على أهمية الحوار والتعاون بين الأطراف المعنية.
ويرى مراقبون أن هذا النهج الاحترازي يعكس إدراكًا للتعقيدات الجيوسياسية في المنطقة، وحساسية هذه القضية بشكل خاص. الحل النهائي لهذه المشكلة يتطلب جهودًا إقليمية ودولية مشتركة، مع الأخذ في الاعتبار مصالح جميع الأطراف. الوضع على الحدود يمثل تحديًا كبيرًا يؤثر بشكل مباشر على الأمن الإقليمي.
الإشادة بدور تركيا وقطر في قطاع غزة
اختتم المبعوث الأمريكي كلمته بالإشادة بدور تركيا وقطر في التوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة. وأكد أن جهود هاتين الدولتين كانت حاسمة في تخفيف المعاناة الإنسانية في القطاع، ومنع تصعيد العنف.
هذه الإشارة إلى الدور الإيجابي لتركيا وقطر يمكن اعتبارها رسالة ضمنية إلى دول أخرى في المنطقة، تحثها على الانخراط بشكل بناء في جهود حل الأزمات الإقليمية. فالتعاون الإقليمي هو مفتاح تحقيق الاستقرار والازدهار في المنطقة.
في الختام، تُظهر تصريحات المبعوث الأمريكي توم براك تحولًا محتملًا في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، حيث يتم التركيز بشكل أكبر على تمكين الشعب السوري، وتجنب التدخلات الخارجية. مستقبل سوريا يعتمد بشكل كبير على قدرة السوريين على التوصل إلى توافق وطني، وبناء دولة قوية ومستقرة. إن دعم المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة، يجب أن يركز على مساعدة السوريين على تحقيق ذلك، بدلاً من فرض حلول من الخارج. ندعو القراء إلى متابعة التطورات في سوريا، والمشاركة في الحوار حول مستقبل هذا البلد الشقيق. كما نشجع على البحث عن مصادر موثوقة لتحليل الأحداث، وتقييم التداعيات المحتملة.



