في خضمّ تحولات إقليمية متسارعة، تُركّز تل أبيب جهودها الدبلوماسية والأمنية على لقاء مرتقب مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بهدف حشد الدعم لمواقفها تجاه التحديات الجيوسياسية الملحة. يكتسب هذا الاجتماع، المقرر في 29 ديسمبر الجاري، أهمية خاصة في ظلّ تصاعد التوترات مع إيران، والمخاوف المتعلقة بتسلح حماس في غزة وحزب الله في لبنان. هذا المقال يتناول الاجتماع بين نتنياهو وترامب، التحضيرات الإسرائيلية له، والقضايا الرئيسية التي تتطلع إسرائيل إلى مناقشتها مع الإدارة الأمريكية.

تحشيد الدعم قبل اللقاء: تركيز إسرائيلي مكثف على الملفات الأمنية

يشهد الكيان الإسرائيلي نقاشات حادة على أعلى المستويات السياسية والأمنية، استعداداً لهذا اللقاء الذي تعتبره تل أبيب بالغ الأهمية. وتتركز هذه المشاورات بشكل خاص على الملف الإيراني، حيث تتوارد تقارير استخباراتية – بعضها دولية – حول تسريع طهران لبرنامجها الصاروخي الباليستي، الأمر الذي يثير قلقاً متزايداً في إسرائيل.

تأمل إسرائيل أن يكون هذا الاجتماع فرصة لتوضيح المخاطر الناشئة عن التطورات الأخيرة في إيران، ليس فقط على أمنها القومي، بل أيضاً على المصالح الأمريكية والإقليمية الأوسع. بالرغم من ذلك، تشير بعض المصادر إلى وجود شكوك إسرائيلية حول مدى استعداد ترامب لتقديم “ضوء أخضر” لشن غارات جوية واسعة النطاق ضد إيران، خشية من انزلاق الأوضاع نحو تصعيد كبير.

الملف الإيراني: بين القلق من التسلح والتردد الأمريكي

تعتبر إسرائيل أن التطورات في إيران، وبالأخص برنامجها الصاروخي الباليستي وأنظمة الدفاع الجوي، تشكل تهديداً أكثر إلحاحاً من برنامجها النووي. وتعتقد تل أبيب أن إيران تعمل على إعادة بناء قدراتها العسكرية التي تضررت في هجمات سابقة، مُركزة على تطوير هذه الأنظمة بشكل خاص.

وقد أكد مسؤولون إسرائيليون رفيعو المستوى أن طهران تبذل جهوداً كبيرة لإعادة تأهيل منشآت ودفاعات تضررت قبل حوالي ستة أشهر، مع الإشارة إلى أن حجم الضرر قد يكون أقل من الروايات التي تتداولها بعض وسائل الإعلام الأجنبية. هذا الأمر يزيد من حدة القلق الإسرائيلي، ويدفعها إلى الضغط على واشنطن لاتخاذ موقف أكثر حزماً. ومع ذلك، يبدو أن واشنطن لا تزال غير متحمسة لمواجهة عسكرية مباشرة مع إيران، ولا تعتبر الأمر حالياً أولوية قصوى. نتنياهو وترامب سيواجهان هذا التباين في وجهات النظر خلال اللقاء.

نزع السلاح في غزة ولبنان: تحديات أمام تحقيق الاستقرار

لا يقتصر جدول أعمال الاجتماع على الملف الإيراني فحسب، بل يتضمن أيضاً قضايا حيوية تتعلق بالأمن الإقليمي، وعلى رأسها نزع سلاح حماس في قطاع غزة وحزب الله في لبنان. تسعى إسرائيل إلى الحصول على دعم أمريكي لجهودها في هذا الاتجاه، معتبرة أن تسليح هذه الحركات يشكل تهديداً وجودياً لها.

فيما يتعلق بغزة، يتركز الخلاف حول المهلة الزمنية الممنوحة لحماس لنزع سلاحها. تخشى إسرائيل من أن يكون أي تنازل في هذا الصدد مجرد “استعراض شكلي” قد يدفع الوسطاء الدوليين إلى الضغط من أجل الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، والتي تشمل الانسحاب الإسرائيلي من المناطق الحدودية (“الخط الأصفر”). وتصر تل أبيب على ضرورة تحقيق “نزع حقيقي للقوة”، وتحذر من أنها قد تضطر في نهاية المطاف إلى تولي مهمة نزع السلاح بنفسها، في حال عدم وجود قوة دولية فعالة للقيام بذلك.

الضغوط الداخلية على إيران وتأثيرها على التوترات الإقليمية

تشير التقارير إلى أن إيران تعاني من ضغوط داخلية كبيرة، تتراوح بين التدهور الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة، وتزايد الاحتجاجات الشعبية. هذا الأمر يزيد من احتمالات التصعيد، حيث قد تسعى طهران إلى تصدير أزمتها الداخلية من خلال استهداف مصالح إسرائيلية أو حلفائها في المنطقة. إسرائيل، بالتنسيق الوثيق مع واشنطن، تراقب هذه التطورات عن كثب، وتستعد لمواجهة أي طارئ.

الاجتماع بين نتنياهو وترامب: فرصة أم تحدٍ؟

مع اقتراب موعد اللقاء في منتجع مارالاغو، يواجه رئيس الحكومة الإسرائيلية مهمة معقدة. فالهدف الرئيسي هو إقناع ترامب بأهمية ملفات نزع السلاح في غزة ولبنان، والتصدي للتهديدات الإيرانية، مع الحفاظ على التفوق النوعي الإسرائيلي في المنطقة.

بالنظر إلى التحديات القائمة، يُعدّ هذا الاجتماع بين نتنياهو وترامب فرصة حاسمة لإعادة تقييم التحالف الاستراتيجي بين البلدين، وتحديد مسار واضح لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة. كما يمثل اختباراً حقيقياً للدبلوماسية الإسرائيلية، وقدرتها على التأثير في السياسات الأمريكية في منطقة مضطربة. إنجاح هذه المهمة يتطلب جهداً دبلوماسياً مكثفاً، وفهماً عميقاً للأولويات الأمريكية، وتقديم حجج قوية ومقنعة بشأن المخاطر التي تهدد المصالح الإقليمية. من الضروري متابعة نتائج هذا اللقاء، وتحليل تأثيره على مستقبل الاستقرار في المنطقة.

الخلاصة، يمثل هذا اللقاء حقاً لحظة محورية في السياسة الإقليمية. فنجاحه يعتمد على قدرة الطرفين على التوصل إلى تفاهمات بشأن القضايا الأساسية، وفي مقدمتها التهديد الإيراني والتحديات الأمنية في غزة ولبنان. السياسة الإسرائيلية تتجه نحو تعزيز الحلف مع الولايات المتحدة في مواجهة هذه التهديدات، ونتائج هذا الاجتماع ستكون لها تداعيات واسعة النطاق على المنطقة بأسرها.

شاركها.
Exit mobile version