كان الفوز الساحق للديمقراطية إيلين هيغينز في انتخابات عمدة ميامي الأميركية بمثابة صدمة مدوية، وأكثر من ذلك، إشارة واضحة إلى تراجع نفوذ الرئيس السابق دونالد ترامب في مدينة لطالما كانت معقلاً له. هذا الفوز، الذي يمثل أول مرة يفوز فيها مرشح ديمقراطي بمنصب العمدة في ميامي منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، يثير تساؤلات حول مستقبل الحزب الجمهوري في جنوب فلوريدا، ويؤكد تحولاً ديموغرافيًا وسياسيًا ملحوظًا. النتيجة ليست مجرد فوز انتخابي، بل هي تعبير عن قلق متزايد بين الناخبين بشأن قضايا رئيسية مثل انتخابات ميامي، وتكاليف المعيشة، وسياسات الهجرة.
تحول سياسي في قلب فلوريدا الجنوبية
لطالما كانت فلوريدا الجنوبية منطقة محافظة، لكن السنوات الأخيرة شهدت تحولًا ملحوظًا نحو الديمقراطيين. فوز هيغينز يعكس هذا التحول، ويقدم دفعة قوية للحزب الديمقراطي الذي كان يعاني في المنطقة. المرشح الجمهوري، إميليو غونزاليس، الذي حظي بدعم ترامب الصريح، لم يتمكن من الصمود أمام المد الديمقراطي، وخسر بنسبة 59% مقابل 41% لصالح هيغينز. هذا الفوز وضع ميامي في دائرة الضوء الوطنية، وحول الانتخابات إلى استفتاء على سياسات ترامب.
الهجرة وتكاليف المعيشة: القضايا الحاسمة
يرى المحللون أن هناك رسالتين رئيسيتين أرسلهما الناخبون من خلال هذا الفوز. الأولى هي رفضهم لسياسات الهجرة التي اتبعتها إدارة ترامب، والتي أثرت بشكل كبير على مدينة يغلب عليها السكان من أصول أجنبية. والثانية هي قلقهم المتزايد بشأن ارتفاع تكاليف المعيشة، بدءًا من الإسكان وصولًا إلى المواد الغذائية الأساسية.
تأثير سياسات الهجرة
ميامي مدينة متعددة الثقافات، حيث يشكل السكان المولودون في الخارج نسبة كبيرة من إجمالي السكان (55% وفقًا لبيانات مكتب الإحصاء الأمريكي). لذلك، فإن سياسات الهجرة تلعب دورًا حاسمًا في حياة الكثيرين. حملات المداهمة التي نفذتها إدارة ترامب، والتي أدت إلى إغلاق مواقع العمل وتخويف السكان، أثارت غضبًا واسع النطاق. العديد من الناخبين، حتى من ضمن الجمهوريين، أعربوا عن استيائهم من استهداف المهاجرين الذين ليس لديهم سجلات جنائية.
القدرة على تحمل تكاليف المعيشة
بالتوازي مع قلق الهجرة، يواجه سكان ميامي تحديات اقتصادية كبيرة، خاصة فيما يتعلق بتكاليف المعيشة المرتفعة. ارتفاع أسعار الإسكان، وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، كلها عوامل ساهمت في زيادة الضغط على الأسر. الناخبون يبحثون عن قادة قادرين على معالجة هذه القضايا وتقديم حلول ملموسة. هذا القلق الاقتصادي لعب دورًا كبيرًا في نتائج انتخابات عمدة ميامي.
ترامب يفقد موقعه في جنوب فلوريدا
على الرغم من أن ترامب تمكن من كسب أصوات الناخبين من أصل إسباني في مقاطعة ميامي – ديد في عام 2024، إلا أن هذا الدعم يبدو أنه تضاءل في الفترة التي سبقت انتخابات العمدة. كان ترامب يخطط لبناء مكتبة رئاسية له في ميامي، وهو مشروع أثار جدلاً واسعًا وأظهر الانقسامات الحزبية. لكن فوز هيغينز يمثل نكسة كبيرة لخطط ترامب في المنطقة، ويؤكد أن نفوذه يتراجع.
أصوات من الداخل: الناخبون يتحدثون
ماريبيل دوناتو، عضوة في الحزب الجمهوري وصوتت لترامب في الانتخابات السابقة، قالت إنها “ليست سعيدة جدًا” به الآن بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة وسياسات الهجرة القاسية. وأضافت: “لا أعتقد أنه من الصواب أن يعيش الناس هنا لسنوات عديدة ويعملون بجد، ثم يرحلوا”. من جهتها، أكدت سيسيليا تافيرا – ويبمان، الناخبة الديمقراطية، أن الانتخابات كانت “رفضًا تامًا لسياسات إدارة ترامب” و”معاملتها اللاإنسانية للمهاجرين”.
مستقبل السياسة في ميامي
فوز إيلين هيغينز يمثل نقطة تحول في السياسة المحلية في ميامي. إنه يظهر أن الناخبين مستعدون للتصويت لصالح مرشح ديمقراطي إذا شعروا أن سياساته تعكس قيمهم واهتماماتهم. كما أنه يسلط الضوء على أهمية قضايا الهجرة وتكاليف المعيشة في تشكيل الرأي العام.
كارلوس كوربيلو، عضو الكونغرس الجمهوري السابق، أقر بأن “سياسات الهجرة العدوانية أصبحت عاملاً مهماً في زيادة حدة المعارضة”. وأضاف أن هذه السياسات “لا تحظى بشعبية على الإطلاق في مدينة تتمتع بثقافة وهوية قوية مؤيدة للمهاجرين”.
في الختام، انتخابات ميامي الأخيرة لم تكن مجرد سباق على منصب العمدة، بل كانت تعبيرًا عن تحول سياسي واجتماعي عميق في المدينة. فوز هيغينز يمثل تحديًا لترامب وللحزب الجمهوري، ويؤكد أهمية معالجة قضايا الهجرة وتكاليف المعيشة من أجل الفوز بثقة الناخبين. من المؤكد أن هذه النتائج ستشكل المشهد السياسي في جنوب فلوريدا في السنوات القادمة، وستدفع القادة السياسيين إلى إعادة تقييم استراتيجياتهم ونهجهم في التعامل مع هذه القضايا الحساسة.


