في أجواء احتفالية غمرت المدن السورية، وخاصة دمشق، أحيا السوريون الذكرى السنوية الأولى لـ التحرير من حكم بشار الأسد. هذه المناسبة التاريخية، التي بدأت مع صلاة الفجر في الجامع الأموي، شهدت دعوة قوية من الرئيس أحمد الشرع إلى جميع السوريين لتوحيد الصفوف وبذل الجهود المشتركة لإعادة بناء سورية قوية ومستقرة. يمثل هذا الحدث نقطة تحول هامة في تاريخ سوريا الحديث، ويستدعي تأملاً عميقاً في التحديات والفرص التي تلوح في الأفق.

دعوة إلى الوحدة الوطنية وإعادة بناء سوريا

ألقى الرئيس أحمد الشرع كلمة مؤثرة بعد أداء صلاة الفجر في الجامع الأموي، ركزت على أهمية الوحدة الوطنية في هذه المرحلة الحاسمة. التحرير، كما وصفه، ليس مجرد حدث سياسي عابر، بل هو بداية لعهد جديد يتطلب تضافر جهود جميع السوريين، بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الدينية أو السياسية.

شدد الشرع على أن بناء سورية قوية ومستقرة يتطلب صون سيادتها وتحقيق مستقبل يليق بتضحيات شعبها. وأضاف: “لن يقف في وجهنا أي أحد مهما كبر أو عظم، ولن تقف في وجهنا العقبات، وسنواجه جميعاً كل التحديات”. هذه التصريحات تعكس إصرار القيادة الجديدة على المضي قدماً في طريق التحرير وإعادة بناء الوطن.

فرصة لإعادة بناء المجتمعات ومداواة الجراح

أوضح الرئيس الشرع أن ما ينتظر سوريا ليس مجرد انتقال سياسي، بل هو فرصة حقيقية لإعادة بناء المجتمعات التي دمرتها سنوات الحرب والصراع. كما أكد على ضرورة مداواة الانقسامات العميقة التي مزقت النسيج الاجتماعي السوري، وبناء وطن يعيش فيه كل سوري بأمان ومساواة وكرامة. هذه الرؤية الشاملة تؤكد على أن التحرير الحقيقي لا يقتصر على تغيير النظام السياسي، بل يشمل أيضاً تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين جميع المواطنين.

رمزية الاحتفال وتأكيد على النصر

الاحتفال بذكرى التحرير لم يقتصر على الكلمات والخطابات، بل تجسد في فعاليات متنوعة عمت مختلف المحافظات السورية. رفعت مآذن المساجد التكبيرات إيذاناً ببدء الاحتفالات، التي استمرت حتى طلوع الفجر. هذه المظاهر الاحتفالية تعبر عن فرحة السوريين بانتهاء حقبة من القمع والاستبداد، وبدء عهد جديد من الحرية والأمل.

الظهور الملفت للرئيس الشرع بزي عسكرية خضراء اللون، وهي الزي الذي ارتديه عند وصوله إلى دمشق قبل عام، يحمل رمزية قوية تؤكد على استعداده للدفاع عن التحرير وحماية الوطن من أي تهديدات. هذا المشهد يعكس أيضاً التزام القيادة الجديدة بقيم الشجاعة والتضحية والفداء.

هدية من السعودية وتوحيد الصفوف

في لفتة ذات دلالة عميقة، وضع الرئيس الشرع قطعة من ثوب الكعبة المشرفة في رحاب المسجد الأموي بدمشق، وهي هدية قيمة قدمها له ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وعلق الشرع على هذه الهدية قائلاً: “آثرنا أن تكون هذه القطعة في مسجد بني أمية، لتتحدّ بذلك الدول، وتمتد أواصر المحبة والأخوة من مكة المكرمة إلى بلاد الشام، واخترنا أن يكون تدشينها في اللحظات الأولى لذكرى النصر”.

هذه المبادرة تعكس عمق العلاقات التاريخية بين سوريا والمملكة العربية السعودية، وتؤكد على حرص القيادة السعودية على دعم التحرير وإعادة بناء سوريا. كما أنها تحمل رسالة قوية إلى العالم بأن سوريا تسعى إلى بناء جسور من التعاون والصداقة مع جميع الدول.

توثيق المناسبة وإصدار طوابع تذكارية

في إطار الاحتفاء بذكرى التحرير، أصدرت المؤسسة السورية للبريد خمسة طوابع بريدية وبطاقة تذكارية. تهدف هذه الإصدارات إلى توثيق هذه المناسبة التاريخية في الذاكرة الوطنية، ونقلها إلى الأجيال القادمة. يعتبر إصدار الطوابع التذكارية تقليداً عريقاً في سوريا، حيث يتم استخدامه للاحتفاء بأهم الأحداث والمناسبات الوطنية.

بالإضافة إلى ذلك، أعلنت المحافظات السورية عن مجموعة من الفعاليات والأنشطة المتنوعة، التي تهدف إلى إبراز أهمية هذه الذكرى وتعميق الوعي الوطني لدى المواطنين. تشمل هذه الفعاليات المعارض الفنية، والندوات الثقافية، والأنشطة الرياضية، والاحتفالات الشعبية.

نحو مستقبل أفضل لسوريا

إن ذكرى التحرير تمثل مناسبة عظيمة للتأمل في الماضي، وتقييم الحاضر، والتخطيط للمستقبل. يتطلب بناء سوريا الجديدة جهوداً مضاعفة، وتعاوناً وثيقاً بين جميع السوريين. يجب أن نركز على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز التعليم والصحة، وتوفير فرص العمل للشباب.

بالإضافة إلى ذلك، يجب أن نعمل على تعزيز قيم الديمقراطية والعدالة والمساواة، وحماية حقوق الإنسان والحريات العامة. إن سوريا تستحق أن تعيش في سلام وأمن واستقرار، وأن تنعم بالرخاء والازدهار. فلنجعل من ذكرى التحرير نقطة انطلاق نحو مستقبل أفضل وأكثر إشراقاً لسوريا وشعبها. إن تحقيق هذا الهدف يتطلب منا جميعاً الإخلاص والتفاني والعمل الجاد.

شاركها.
Exit mobile version