تصاعد معاداة السامية: تحليلات إسرائيلية حول هجوم سيدني وتداعياته العالمية

أثارت عملية إطلاق النار المروعة في مدينة سيدني الأسترالية، والتي أسفرت عن مقتل 15 شخصًا، موجة من التحليلات في الصحف الإسرائيلية، حيث اعتبر العديد من المحللين أن الحادث كان متوقعًا في ظل تصاعد حاد في ظواهر معاداة السامية والعداء تجاه إسرائيل على مستوى العالم. يأتي هذا بالتزامن مع الانتقادات اللاذعة للسياسة الإسرائيلية في غزة، والتي يصفها البعض بأنها “حرب إبادة”. تتجاوز هذه التحليلات مجرد تفسير للحادث، لتطرح تساؤلات حول مستقبل الأمن للجاليات اليهودية في الشتات، وضرورة إعادة تقييم الاستراتيجيات الأمنية والاستخباراتية.

خطر غير مسبوق يهدد اليهود حول العالم

يرى يوآف ليمور، المحلل العسكري في صحيفة “يسرائيل هيوم”، أن اليهود في جميع أنحاء العالم، بمن فيهم الإسرائيليون المقيمون في الخارج، يواجهون حاليًا “خطرًا غير مسبوق، وربما الأكبر منذ المحرقة”. ويعزو ليمور هذا التصاعد إلى عاملين رئيسيين: أولاً، الانتقادات المتزايدة الموجهة لإسرائيل، والتي غالبًا ما تتجاوز حدود النقد البناء لتتحول إلى معاداة للسامية مقنعة. ثانيًا، تأثير صعود التيارات الإسلامية المتطرفة، مما يؤدي إلى زيادة حوادث العنف اللفظي والجسدي ضد اليهود والإسرائيليين.

الحاجة إلى استعداد استخباراتي وأمني

ويؤكد ليمور على ضرورة الاستعداد الأمني والاستخباراتي للجاليات اليهودية، مشيرًا إلى أن الأماكن المعروفة مثل المدارس والمعابد تعتبر أهدافًا معرضة للخطر بشكل خاص. لكنه يشدد أيضًا على أهمية المتابعة الدقيقة للأفراد والجهات التي تمثل تهديدًا محتملاً، وهو ما يتطلب جهدًا استخباراتيًا مكثفًا. ويقترح أن الدول الديمقراطية، التي غالبًا ما تتردد في اتخاذ إجراءات استباقية بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان، قد لا تملك خيارًا آخر سوى التكيف مع هذا الواقع الجديد.

مسؤولية إسرائيل تجاه يهود الشتات

لا يقتصر الأمر على الجاليات اليهودية والدول المضيفة، بل يرى ليمور أن لإسرائيل دورًا محوريًا في حماية اليهود في جميع أنحاء العالم. باعتبارها الدولة القومية للشعب اليهودي، تقع على عاتقها مسؤولية أخلاقية وتاريخية للدفاع عنهم، تمامًا كما تفعل مع مواطنيها داخل إسرائيل. ويقترح تعزيز التعاون الاستخباراتي بين الموساد والشاباك ونظرائهما في الدول الأخرى، بهدف اعتقال المشتبه بهم وإحباط أي عمليات إرهابية محتملة. ويشير إلى أن التحدي الحالي يتطلب إعادة تقييم شاملة للتهديدات، ويتجاوز نطاق وحدة “بيتسور” (تحصين) في الموساد، ليصبح قضية أمن قومي تتطلب تضافر جهود جميع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية.

اتهامات متبادلة وتصعيد في الخطاب

في سياق متصل، انتقد بعض المحللين الإسرائيليين رد فعل الحكومة الأسترالية على الحادث، متهمين إياها بالتقصير في اتخاذ الإجراءات الأمنية اللازمة. في المقابل، وجه وزراء إسرائيليون اتهامات مباشرة للحكومة الأسترالية بالمسؤولية عن الهجوم، بسبب سياساتها النقدية تجاه إسرائيل. هذا التصعيد في الخطاب أثار جدلاً واسعًا، حيث يرى عاموس هرئيل، المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، أنه من “المستهجن” أن تتنصل إسرائيل من مسؤوليتها عن المجزرة التي وقعت في غلاف غزة في 7 أكتوبر، بينما تتهم دولًا أخرى بالإرهاب.

دور إيران والتنظيمات المتطرفة

ويشير هرئيل إلى أن التحليلات الاستخباراتية الإسرائيلية كشفت عن اتجاهين رئيسيين في تصاعد معاداة السامية في أستراليا. الاتجاه الأول يتعلق بتورط نشطاء مؤيدين للفلسطينيين، بعضهم من المهاجرين المسلمين والبعض الآخر من اليساريين الأستراليين، والذين يتلقون دعمًا من منظمات إرهابية مثل داعش والقاعدة. أما الاتجاه الثاني فيرتبط بتوجيهات من الخارج، وتحديدًا من “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني.

على خلفية هذه التحليلات، اتخذت أستراليا إجراءات حاسمة، حيث طردت السفير الإيراني وأعلنت الحرس الثوري “تنظيمًا إرهابيًا”، بدعوى تورطه في الهجمات المعادية للسامية التي وقعت في البلاد.

تداعيات حرب غزة وتوقعات مستقبلية

ويؤكد هرئيل أن حرب غزة، والادعاءات المتعلقة بجرائم حرب ارتكبها الجيش الإسرائيلي في القطاع، قد أطلقت العنان لموجة هائلة من العداء لإسرائيل، والتي غالبًا ما تتخذ شكلًا من أشكال معاداة السامية. ويشير إلى أن هذه الموجة لم تتوقف حتى بعد وقف إطلاق النار الذي فرضه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في منتصف أكتوبر.

ويتوقع جهاز الأمن الإسرائيلي أن تظل الأماكن المرتبطة بإسرائيل واليهودية، مثل الكنائس والمراكز المجتمعية والمدارس، أهدافًا محتملة للهجمات في المستقبل المنظور. لذلك، يقدم الموساد والشاباك المشورة للجاليات اليهودية في جميع أنحاء العالم في قضايا الأمن، ويحللون التوجهات والتحذيرات الاستخباراتية. لكنهم يؤكدون أيضًا على ضرورة وجود تعاون وثيق بين الحكومات لمواجهة هذه المشكلة المتفاقمة.

باختصار، يمثل هجوم سيدني بمثابة جرس إنذار للجاليات اليهودية في جميع أنحاء العالم، ويطرح تساؤلات ملحة حول مستقبل الأمن والاستقرار. يتطلب التعامل مع هذا التحدي جهدًا استباقيًا وشاملًا، يشمل تعزيز التعاون الاستخباراتي، وتكثيف الإجراءات الأمنية، ومواجهة جذور معاداة السامية والتحريض على الكراهية.

شاركها.
Exit mobile version