في ظل التطورات الجيوسياسية المعقدة التي تشهدها أوروبا والعالم، تزداد أهمية البحث عن حلول دبلوماسية لإنهاء الصراعات وتعزيز الاستقرار. وفي هذا السياق، سلطت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، الضوء على ضرورة التوصل إلى اتفاق سلام عادل ودائم بين روسيا وأوكرانيا، مع التأكيد على أهمية توفير ضمانات أمنية قوية لأوروبا. هذه التصريحات جاءت في مقابلة حصرية مع صحيفة “بوليتيكو”، حيث ناقشت فون دير لاين التحديات التي تواجه الاتحاد الأوروبي، وعلاقته بالولايات المتحدة، ورؤيتها للمستقبل.
أهمية اتفاق سلام دائم بين روسيا وأوكرانيا
أكدت فون دير لاين أن الهدف الأساسي هو تحقيق اتفاق سلام ليس مؤقتاً أو سطحياً، بل متيناً بما يكفي لمنع تجدد النزاعات. وأشارت إلى أن أصعب القضايا في هذا الإطار تكمن في المسائل المتعلقة بالأراضي، مؤكدة أن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، هو الطرف المخول بالبت في هذه المسائل الحساسة. ولا يقتصر الأمر على مجرد وقف إطلاق النار، بل على بناء أسس متينة لعلاقات مستقبلية مستقرة ومنظمة بين الطرفين، بما يضمن حقوق جميع الأطراف المعنية.
الضمانات الأمنية الأوروبية كشرط أساسي
لم تقتصر رؤية فون دير لاين على الجانب الأوكراني-الروسي فحسب، بل شددت على ضرورة توفير ضمانات أمنية حقيقية وقوية لأوروبا. هذا الأمر يعتبر حجر الزاوية في أي تسوية مستقبلية، لضمان عدم تكرار سيناريوهات مماثلة من عدم الاستقرار والتهديدات. وتطالب المفوضية الأوروبية ببناء هيكل أمني أوروبي قادر على مواجهة أي تحديات مستقبلية، والاعتماد على الذات في حماية مصالح القارة.
الأصول الروسية المجمدة ودعم أوكرانيا مالياً
تحدثت رئيسة المفوضية الأوروبية عن ملف الأصول الروسية المجمدة في أوروبا، مشيرة إلى أن الاتحاد الأوروبي يعمل بكثافة لإيجاد آلية قانونية تمكنه من الاستفادة من هذه الأصول لدعم أوكرانيا. الخطة المقترحة تتضمن تحويل هذه الأرصدة إلى قرض يقدم لأوكرانيا خلال العامين المقبلين، مما يساعدها في جهود إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية. هذا الإجراء يهدف إلى تحميل روسيا مسؤولية الأضرار الناجمة عن الحرب، وتوفير الموارد اللازمة لأوكرانيا لتحقيق الاستقرار والازدهار.
موقف بلجيكا وتحديات التنفيذ
أشارت فون دير لاين إلى وجود تحديات في التوصل إلى اتفاق بشأن استخدام الأصول الروسية المجمدة، خاصة مع بعض الدول الأعضاء مثل بلجيكا. ولكنها عبرت عن تفاؤلها بأن بلجيكا ستوافق على هذه الخطط، واصفة المحادثات مع المسؤولين البلجيكيين بأنها “بناءة للغاية”، معتبرة أنها تمثل “ابتكارًا حقيقيًا لم يسبق له مثيل”. التنفيذ الفعلي يتطلب توافقاً قانونياً وسياسياً داخل الاتحاد الأوروبي، وهو ما تسعى المفوضية إلى تحقيقه.
العلاقة مع الولايات المتحدة وتأثير الانتخابات الأمريكية
تطرق الحوار إلى التغيرات المحتملة في السياسة الأمريكية تجاه أوروبا في ضوء الانتخابات الرئاسية القادمة. أكدت فون دير لاين أن الاتحاد الأوروبي يحترم حق الشعب الأمريكي في اختيار قيادته، وأن تحديد هوية الرئيس الأمريكي هو أمر داخلي بحت. ومع ذلك، أشارت إلى أن السياسة الأمريكية، كما ورد في استراتيجية الأمن القومي الأخيرة، تتضمن بعض العناصر التي تهدف إلى “تعزيز المقاومة” للاتحاد الأوروبي في القارة الأوروبية.
تعزيز السيادة الأوروبية والدفاع عن الديمقراطية
ردت فون دير لاين على هذه السياسات الأمريكية بالتأكيد على أهمية تعزيز السيادة الأوروبية والاعتماد على الذات. وأعلنت عن اقتراح “درع الديمقراطية” كآلية لحماية الانتخابات الأوروبية وضمان نزاهتها وحريتها، خصوصاً في ظل تزايد التهديدات التي تستهدف العمليات الديمقراطية في القارة. وشددت على أن أوروبا يجب أن تفخر بانتمائها للاتحاد الأوروبي، وأن تركز على نقاط قوتها، وتعمل بشكل مستقل لحماية مصالحها. إن تعزيز التنافسية الأوروبية يعتبر جزءاً لا يتجزأ من هذه الاستراتيجية، لتمكين أوروبا من مواجهة التحديات العالمية بنجاح.
رؤية فون دير لاين لمستقبل الاتحاد الأوروبي
تطلعت فون دير لاين إلى عام 2026، معربة عن أملها في تعزيز التنافسية والازدهار والديمقراطية في الاتحاد الأوروبي. ولكن، فوق كل ذلك، أعربت عن أمنيتها الكبرى بتحقيق السلام، وخاصة في أوكرانيا. وأكدت أنها تفكر كثيراً في معاناة الشعب الأوكراني على مدار السنوات الأربع الماضية، وأنها معجبة بصموده وقدرته على التكيف مع الظروف الصعبة. إن تحقيق اتفاق سلام دائم وشامل في أوكرانيا يظل على رأس أولويات رئيسة المفوضية الأوروبية. التركيز على الاستقرار الإقليمي، وإعادة بناء الثقة بين الأطراف المتنازعة، يعتبر هدفاً أساسياً لتحقيق مستقبل أفضل للجميع. كما أن السلام المستدام يتطلب معالجة الأسباب الجذرية للصراع، وتعزيز التعاون الاقتصادي والأمني في المنطقة.
المصدر: “بوليتيكو”

