تتصاعد الجهود الدبلوماسية الدولية لحل الأزمة المتفاقمة في السودان، مع إعلان واشنطن عن استضافة اجتماع عربي أمريكي حاسم يوم الثلاثاء لمناقشة سبل إنهاء الحرب الدائرة. يأتي هذا التحرك في أعقاب مبادرة قادها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والتي حظيت باهتمام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مما يعكس قلقًا متزايدًا بشأن الوضع الإنساني والأمني المتردي في السودان.
اجتماع واشنطن: نقطة تحول في جهود حل الأزمة السودانية
أفادت مصادر لـ “الشرق” بأن الاجتماع الذي سيعقد في العاصمة الأمريكية سيسعى إلى بلورة رؤية مشتركة لوقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر، بالتزامن مع بدء إدخال المساعدات الإنسانية بشكل فوري. وسيحضره كبير مستشاري الرئيس الأمريكي للشؤون العربية والإفريقية، مسعد بولس، الذي يقود حاليًا تحركًا دبلوماسيًا مكثفًا مع جميع الأطراف المعنية في السودان.
مبادرة سعودية أمريكية مشتركة
التحرك الأمريكي لم يأتِ من فراغ، بل جاء استجابة لطلب مباشر من ولي العهد السعودي خلال زيارته لواشنطن، حيث أشار إلى خطورة الوضع في السودان، واصفًا إياه بـ “مكان مروع” يشهد صراعًا دمويًا. وقد استجاب الرئيس ترامب على الفور، وأمر ببدء دراسة القضية ووضع خطة عمل للتعامل معها.
ولم يقتصر الأمر على الاجتماع المرتقب، بل أعلن الرئيس ترامب عن تعهد واشنطن بالتعاون الوثيق مع السعودية والإمارات ومصر ودول أخرى في المنطقة من أجل “وضع حد للفظائع التي ترتكب في السودان وإرساء الاستقرار”. وأكد ترامب أن السودان يشهد “أكبر أزمة إنسانية على الإطلاق”، وأن هناك حاجة ماسة لتوفير الغذاء والأدوية والمساعدات الطارئة.
هدنة إنسانية ومفاوضات سياسية: مساران متوازيان
تعتبر الهدنة الإنسانية خطوة أولى ضرورية لتخفيف المعاناة الإنسانية التي يعيشها الشعب السوداني. وتهدف إلى إتاحة الفرصة للمنظمات الإنسانية للوصول إلى المناطق المتضررة وتقديم المساعدات اللازمة. إلا أن هذا لن يكون كافيًا لحل الأزمة بشكل جذري، وبالتالي يسير العمل على تحقيق هدنة إنسانية جنبًا إلى جنب مع مفاوضات تهدف إلى التوصل إلى حل سياسي مستدام.
مسعد بولس أكد التزام الولايات المتحدة الكامل بإنهاء الصراع في السودان، مشيرًا إلى أنهم يعملون مع شركائهم لتقويض الدعم العسكري الخارجي للأطراف المتحاربة، والذي يمثل أحد العوامل الرئيسية التي تغذي العنف. هذا التحرك يهدف إلى عزل الأطراف المتصارعة وإجبارها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
ترحيب سوداني بالجهود الدولية
لاقت هذه الجهود ترحيبًا واسعًا من مختلف الأطراف السودانية، بما في ذلك الحكومة السودانية وقوات الدعم السريع وقوى سياسية أخرى. فقد وجه رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان الشكر لولي العهد السعودي والرئيس الأمريكي على مبادرتهم الداعمة، وأكد استعداد المجلس “للانخراط الجاد من أجل تحقيق سلام ينتظره الشعب السوداني”.
وفي المقابل، شدد الباشا محمد طبيق، عضو المكتب الاستشاري لقائد قوات الدعم السريع، على أهمية التوصل إلى سلام شامل يعالج “جذور الأزمة”. هذه نقطة حاسمة، حيث أن أي حل سطحي لن يكون قادرًا على تحقيق الاستقرار الدائم في السودان.
دور القوى السياسية السودانية
إبراهيم الميرغني، القيادي في تحالف السودان التأسيسي (“تأسيس”)، أشاد بالجهود المبذولة، معتبرًا أن الرئيس ترامب يرمي بثقله الرئاسي لوقف الحرب. تحالف “تأسيس” الذي تشكل في نيروبي في فبراير الماضي، يضم مجموعة واسعة من الأطراف السودانية، بما في ذلك عناصر من قوات الدعم السريع وحركات مسلحة وأحزاب سياسية وقوى مدنية، مما يجعله لاعبًا مهمًا في أي عملية مفاوضات مستقبلية.
خلفية الأزمة: صراع على السلطة وتداعيات إنسانية كارثية
تعود جذور الحرب في السودان إلى صراع على السلطة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، والذي اندلع قبيل انتقال مُخطط له إلى الحكم المدني. وقد تحول هذا الصراع إلى حرب أهلية شاملة، أدت إلى عمليات قتل على أساس عرقي ودمار واسع النطاق ونزوح جماعي لملايين السودانيين.
إن الوضع الإنساني في السودان مأساوي، حيث يعاني الشعب من نقص حاد في الغذاء والدواء والمياه النظيفة. وتضاف إلى هذه المعاناة الأعباء الاقتصادية والاجتماعية التي فرضتها الحرب، مما يزيد من خطورة الوضع ويستدعي تدخلًا عاجلًا من المجتمع الدولي.
الخلاصة: أمل في إنهاء الصراع واستعادة الاستقرار
إن الاجتماع العربي الأمريكي المرتقب في واشنطن يمثل فرصة حقيقية لإنهاء الصراع في السودان وإعادة الاستقرار إلى البلاد. ومن خلال التنسيق الوثيق والضغط المشترك على الأطراف المتصارعة، يمكن لهذه المبادرة أن تساهم في تحقيق هدنة إنسانية دائمة والتفاوض على حل سياسي شامل. يبقى الأمل معقودًا على الجهود الدبلوماسية المبذولة، وعلى استعداد جميع الأطراف السودانية للتعاون من أجل مستقبل أفضل لشعب السودان. تابعونا لمعرفة آخر التطورات حول هذا الملف الهام.


