أكد قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في “إعلان الصخير” الصادر عن قمة المنامة، الأربعاء، على التزامهم الراسخ بالأمن والاستقرار الإقليمي، وتوحيد الصفوف لمواجهة التحديات المتزايدة. يمثل هذا الإعلان، الذي صدر في ختام أعمال الدورة السادسة والأربعين للمجلس الأعلى، تأكيدًا على أهمية التعاون والتكامل بين الدول الأعضاء، ووضع رؤية مستقبلية طموحة لتحقيق المزيد من التقدم والازدهار لشعوب الخليج. وتأتي هذه القمة في ظل تطورات إقليمية ودولية متسارعة، تتطلب تنسيقًا وثيقًا ومواقف موحدة لضمان الحفاظ على المصالح المشتركة وتعزيز الأمن الإقليمي.
أمن واستقرار الخليج: خط أحمر
شدد “إعلان الصخير” بشكل قاطع على أن أمن واستقرار دول الخليج العربية أمر لا يقبل القسمة، وأن أي تهديد أو مساس بسيادة أي دولة عضو يُعد تهديدًا مباشرًا للأمن الجماعي. هذا الموقف يعكس وعيًا عميقًا بالتحديات التي تواجه المنطقة، وأهمية التكاتف لمواجهة أي محاولات لزعزعة الاستقرار أو التدخل في الشؤون الداخلية. كما أكد القادة على رفض استخدام القوة أو التهديد بها في حل النزاعات، والتزامهم بالحلول السلمية التي تحترم سيادة الدول.
دعم قضايا المنطقة.. وقطاع غزة في الصدارة
لم يغفل الإعلان عن قضايا المنطقة الملحة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. رحب القادة بمخرجات قمة شرم الشيخ للسلام، وأعربوا عن دعمهم الكامل للجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى ضمان الالتزام الكامل ببنود اتفاق إنهاء الحرب في قطاع غزة. وشددوا على ضرورة تيسير إيصال المساعدات الإنسانية العاجلة إلى القطاع، وإعادة إعماره، وتعزيز الجهود المؤدية إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وفقًا لحل الدولتين ومبادرة السلام العربية.
تعزيز التكامل الاقتصادي والتكنولوجي
أكد قادة دول مجلس التعاون على أهمية مواصلة مسيرة التنمية الاقتصادية والتقدم التكنولوجي، كركيزة أساسية لتحقيق الازدهار والرفاهية لشعوب المنطقة. وشددوا على ضرورة استكمال متطلبات السوق الخليجية المشتركة والاتحاد الجمركي، وتعزيز التجارة والسياحة، وتشجيع الاستثمار في المشاريع الاستراتيجية في مجالات البنية التحتية، والنقل، والطاقة، والاتصالات، والمياه، والغذاء. بالإضافة إلى ذلك، أكدوا على أهمية تعزيز تكامل البنية التحتية الرقمية، وتيسير التجارة الإلكترونية، ودعم تطوير الأنظمة المشتركة للدفع الرقمي والخدمات السحابية، بهدف تحقيق المواطنة الاقتصادية الكاملة.
الاستدامة والابتكار محوران أساسيان
في إطار رؤية التنمية المستدامة، أكد القادة على أهمية مواصلة مسارات التنويع الاقتصادي، وتعزيز الاقتصاد القائم على الابتكار والاستدامة. ويهدف هذا التوجه إلى ضمان ازدهار طويل الأمد لدول المجلس وشعوبها، وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل. كما شددوا على أهمية الاستثمار في التعليم والتدريب، وتطوير المهارات اللازمة لمواكبة التطورات التكنولوجية المتسارعة.
المسؤولية البيئية والأمن السيبراني
أولى “إعلان الصخير” اهتمامًا خاصًا بالمسؤولية البيئية، مؤكدًا على الالتزام بحماية البيئة ومواجهة تحديات تغير المناخ، وتقليل الانبعاثات الكربونية، وتعزيز مشروعات الطاقة النظيفة والمتجددة. كما أكد القادة على أهمية صون الموارد الطبيعية والبحرية، تماشيًا مع المبادرات الخليجية والعالمية الهادفة إلى تحقيق الحياد الصفري وأهداف التنمية المستدامة. وفيما يتعلق بالأمن السيبراني، شدد الإعلان على ضرورة تعزيز التعاون في هذا المجال، وتطوير استراتيجية خليجية مشتركة للتصدي للجرائم الإلكترونية وتوفير بيئة رقمية آمنة للمجتمعات.
تعزيز الشراكات الدولية
أكد قادة دول مجلس التعاون على أهمية تعزيز التعاون الدولي لصون الأمن الإقليمي، وتوطيد أواصر الشراكة مع الدول الصديقة والمنظمات الدولية. وشددوا على ضرورة العمل المشترك لمكافحة جميع أشكال التطرف والإرهاب، وخطابات الكراهية والتحريض، والتصدي للجرائم العابرة للحدود. كما أعربوا عن دعمهم لجهود القوات البحرية المشتركة، ومقرها مملكة البحرين، في تعزيز أمن الطاقة وحماية الملاحة البحرية والتجارة الدولية. بالإضافة إلى ذلك، أكدوا على العمل نحو جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل.
وفي الختام، يمثل “إعلان الصخير” الصادر عن قمة البحرين، بمثابة خارطة طريق واضحة لتعزيز التعاون والتكامل بين دول مجلس التعاون، وتحقيق الأمن والاستقرار والازدهار لشعوب المنطقة. ويتطلب تنفيذ هذا الإعلان تضافر الجهود وتوحيد الرؤى، والعمل بروح الفريق الواحد لمواجهة التحديات وتحقيق الطموحات المشتركة. إن مستقبل دول الخليج العربي يعتمد على قدرتها على التكيف مع التغيرات المتسارعة، وبناء شراكات قوية مع العالم، والاستثمار في التنمية المستدامة والابتكار.


