تنعقد قمة دول مجلس التعاون الخليجي في البحرين، الأربعاء، في ظل ظرف إقليمي معقد، ليس فقط بسبب التحديات المحيطة، بل أيضاً بعد سلسلة من الأحداث الهامة التي شهدتها المنطقة منذ آخر قمة اعتيادية عُقدت في الكويت في ديسمبر 2023. تأتي هذه القمة تحديداً في أعقاب تصاعد التوترات، وتطورات جيوسياسية مؤثرة، تتطلب من قادة الخليج إعادة تقييم شاملة للمواقف واتخاذ قرارات استراتيجية لضمان الأمن والاستقرار.

تداعيات الأحداث الأخيرة على أجندة القمة

شهدت المنطقة خلال العام الماضي تطورات متسارعة أثرت بشكل كبير على المشهد السياسي والأمني، أبرزها الحرب الجوية بين إيران وإسرائيل التي امتدت إلى الأراضي الخليجية، وتحديداً سقوط صواريخ في قطر. هذا التصعيد، بالإضافة إلى استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، دفع إلى انعقاد قمة طارئة في الدوحة، أسفرت عن قرارات مهمة تتعلق بتعزيز الدفاع الخليجي المشترك.

ولم تتوقف الأحداث عند هذا الحد، إذ شهدت سوريا تحولات تاريخية، تبعها وقف للحرب في غزة بجهود دولية، كان الخليج جزءاً أساسياً منها. كما شهد العالم اعترافاً متزايداً بدولة فلسطين، بفضل جهود دبلوماسية بقيادة السعودية بالتعاون مع فرنسا، مما يعكس دوراً خليجياً فاعلاً في دعم القضية الفلسطينية.

تطور العلاقات الخليجية مع القوى العظمى

شهدت المنطقة أيضاً تطورات لافتة في العلاقات مع القوى العظمى، أبرزها الزيارة التاريخية للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى الرياض، والتي جمعته بقادة الدول الست، ثم زيارته لكل من قطر والإمارات. مهدت هذه الزيارة الطريق لزيارة مماثلة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن، والتي أثارت صدى واسعاً في المنطقة، وتأثرت بها العديد من الملفات والقضايا.

يرى مراقبون أن هذه التطورات تمهد الطريق لمرحلة جديدة من العمل الخليجي المشترك، ومن المتوقع أن تضع قمة المنامة الخطوط العريضة لهذه المرحلة. التحدي يكمن في كيفية الاستفادة من هذه التطورات لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

نظرة على أهمية قمة المنامة

يقول المستشار السياسي الدولي البحريني أحمد الخزاعي إن قمة البحرين تأتي في توقيت حرج، بعد عام مليء بالأحداث التاريخية. وأكد أن القمة تمثل فرصة لإعادة تقييم المواقف وتوحيد الرؤى، في ظل سلسلة الأزمات والحروب التي هزت المنطقة. إنها فرصة لدول الخليج للتحرك بشكل جماعي، وإعادة صياغة أولوياتها، وتعزيز وحدتها الداخلية.

ويشير الخزاعي إلى أن استثنائية هذه القمة تكمن في تداخل التحديات الأمنية والسياسية، بدءاً من الصراع الإيراني الإسرائيلي، والاعتداء على قطر، وصولاً إلى التحولات في العلاقات الدولية مع الولايات المتحدة والصين. هذا التداخل يجعل البيئة الإقليمية أكثر تعقيداً من أي وقت مضى.

تنسيق المواقف وتعزيز الاستقرار

ويرى الخزاعي أن القمة يمكن أن تساهم في تحقيق الاستقرار من خلال توفير منصة جماعية لتنسيق المواقف، وطرح مبادرات مشتركة تعزز الاستقرار. ويؤكد أن المنظومة الخليجية يجب أن تكون جزءاً من الحل، لا مجرد متأثرة بالأزمات، مما يرسخ دورها كفاعل رئيسي في صناعة التوازنات الإقليمية.

“المدار العربي الجديد” وصياغة دور إقليمي جديد

يتفق المحلل والباحث السياسي الكويتي عبد الله خالد الغانم مع هذا الطرح، ويصف القمة بأنها تمثل لحظة تأسيسية لـ”المدار العربي الجديد”. ويقول إن “خرائط الأمان” في المنطقة تغيرت بشكل جذري خلال العام الماضي، مع صعود السعودية إلى موقع الصدارة، وتحول الخليج من فضاء للطاقة إلى فضاء للهندسة الأمنية.

ويشير الغانم إلى أن زيارة ولي العهد السعودي إلى واشنطن كانت نقطة تحول في العلاقات مع الولايات المتحدة، حيث تم تصنيف المملكة كـ”حليف رئيسي لأميركا من خارج الناتو”، وهو ما يعكس الاعتراف الأمريكي بالدور المتزايد للسعودية في المنطقة، والتزامها بالحفاظ على الأمن والاستقرار. هذا التحول في العلاقات يتطلب إعادة هيكلة الشراكات الاستراتيجية، وتحديد الأولويات المشتركة.

الدفاع الخليجي المشترك: ضرورة حتمية

أكد خبراء خليجيون أن ملف الأمن والدفاع الخليجي سيكون على رأس أولويات قمة مجلس التعاون الخليجي، خاصة في ظل الأحداث الأخيرة. ويشير علي العنزي إلى أن الاعتداءات على قطر، والحرب بين إيران وإسرائيل، دعت إلى تفعيل الدفاع الخليجي المشترك، وتوالي اجتماعات القيادات العسكرية ووزراء الدفاع في دول المجلس. هذا التفعيل يعكس إدراكاً متزايداً لأهمية الوحدة والتنسيق في مواجهة التحديات الأمنية.

ويضيف الغانم أن قمة البحرين يجب أن تترجم هذا التفعيل إلى خطوات عملية، من خلال تثبيت دور الكويت والبحرين في المنظومة الدفاعية الجديدة، وإدخال البحر الأحمر والسودان في نطاق الأمن الخليجي.

في الختام، تبدو قمة دول مجلس التعاون الخليجي في البحرين محطة مفصلية في تاريخ المنطقة، وفرصة سانحة لتعزيز التعاون والتكامل بين دول الخليج، ومواجهة التحديات المشتركة. نجاح هذه القمة يعتمد على قدرة القادة الخليجيين على توحيد الرؤى، واتخاذ قرارات جريئة ومسؤولة، تضمن الأمن والاستقرار للمنطقة، وتحقق التنمية والازدهار لشعوبها.

شاركها.
Exit mobile version