احتفاء بالإبداع وصنّاعه، وتكريماً لذكرى من صاغوا بدايات المشهد الأدبي والفني في الدولة، أضاءت هيئة الثقافة والفنون في دبي (دبي للثقافة) وعبر الموسم الرابع من برنامج «راحلون باقون» على مسيرة أحمد بوسنيده، الذي خطّ مسيرته الإبداعية بين الحرف والقلم.
واستعرضت الهيئة حياة بوسنيده ومسيرته، أول من أمس، في متحف الاتحاد، عبر برنامج غني افتتح بفيلم قصير عن حياته، وجلسة حوارية أدارتها الشاعرة سليمة المزروعي، وجمعت رئيس اتحاد وكتّاب أدباء الإمارات، الدكتور سلطان العميمي، والشاعر راشد شرار، علاوة على معرض تضمن مجموعة من أشعاره ووثيقة نادرة مخطوطة بيده تعود لعام 1907.
وحول اختيار بوسنيده – الذي رحل منذ 103 أعوام – قال مدير إدارة الآداب بالإنابة في «دبي للثقافة»، محمد الحبسي، لـ«الإمارات اليوم»: «لقد وقع اختيارنا على بوسنيده، كونه شخصية أدبية وفنية، إذ تميز بإبداعه في الخط وبخدمته التطوعية في هذا المجال، إذ علم القرآن الكريم وفن الخط بشكل تطوعي أولاً في دكانه ومن ثم في بيته، فهو شخصية معطاءة ومتطوعة في نشر المعرفة».
وأوضح أنه تم تسليط الضوء على شخصية بوسنيده من خلال برنامج متنوّع، بدءاً من الجلسة الرئيسة، مروراً بالمعرض المصاحب الذي يتناول سيرته وصوراً من بيئته ومخطوطاته، فضلاً عن بعض الأشياء من معاصريه أو تلامذته.
وحول الشخصية المكرمة خلال هذا الموسم من «راحلون باقون»، أشار الحبسي إلى أنه تم اختيار الخطاط حسين علي الهاشمي، شخصية الموسم لتكريمها في الفعالية، لأنها تحاكي بوسنيده في العطاء والتطوع بنقل المعرفة، لافتاً إلى أنه في العادة يكرّم شخص من عائلة المحتفى به، ولكن كانت هناك صعوبة في الوصول إلى شخص من عائلة بوسنيده، معتبراً أن هذا يعزز ما ذكره الدكتور سلطان العميمي من أن بوسنيده لم يتزوج، وبالتالي لم تمتد سلالته إلى اليوم.
نوع من العرفان
من جهته، قال سلطان العميمي لـ«الإمارات اليوم»، إن «الاحتفاء بالشاعر والخطاط بوسنيده يعد تكريماً متأخراً، إذ يأتي بعد مرور أكثر من 100 عام على وفاته، وهذا يؤكد وجود نوع من العرفان للمبدعين الأوائل والمؤسسين للحركة الشعرية في الإمارات، خصوصاً أن الكثير من الشعراء قد تأثروا بهذه التجارب».
ووصف بوسنيده بأنه من الشعراء المهمين، ورغم أنه فُقد الكثير من نتاجه إلا أنه جمع ما تيسر من قصائده ومخطوطاته وأصدرها في ديوان خاص به كان الأول لذلك الشاعر الراحل، مشدداً على أهمية هذه الاحتفاليات الخاصة بالشعراء الإماراتيين المؤسسين، ما يسهم في تعزيز الهوية المحلية وإبراز تاريخ الشعر النبطي في الإمارات.
جمع قصائد
وعن جمعه لقصائد بوسنيده وإصدارها في كتاب، أوضح الدكتور العميمي، أنه اختار تلك الشخصية نظراً لتجربة صاحبها وثقافته المتميزة، فتجربته الشعرية تنقسم إلى مرحلتين، الأولى ترتبط بالقصائد الذاتية، والثانية بالقصائد التي تحمل مفهوم الصنعة. وحول تحديات إصدار الكتاب، لفت إلى أن رحلة جمع القصائد كانت مملوءة بالصعوبات، لاسيما أنه الكتاب الأول الذي يصدر عن الشاعر الراحل، وانقسمت التحديات إلى قسمين، تمثل الأول في البحث عن ملامح واضحة لسيرة حياته وشخصيته، ولم يتيسر الحصول على المعلومات بسهولة، إذ تم الاعتماد على الرواة الآباء، فيما كان جمع القصائد مهمة غير سهلة، مع العودة إلى كم كبير من المخطوطات التي دونت قصائد بوسنيده مع العمل والبحث على التأكد من المصادر. ورأى العميمي أن الممتع في هذا الجانب هو العثور على قصائد أكثر للشاعر الراحل من خلال المخطوطات الشعرية التي مازالت حبيسة الأدراج، ووجد مجموعة من القصائد بعد إصدار الكتاب، وسيضيفها في إصدار جديد.
أما الشاعر راشد شرار، فوصف بوسنيده بالشخصية المتفردة، إذ كان متعدد المواهب، وملماً بالحكمة، مشيراً إلى أن شعره كان بدوياً وحضرياً بامتياز، وهذا يعود إلى نشأته والبيئة التي أثرت بشخصيته.
وحول التأثير الذي تركه الشاعر الراحل فيه، أكد شرار أنه بالطبع تأثر به وبأقرانه، وعرف خصائص الشعر ومكامن الكلمة الجميلة من الشعراء الذين يحملون مفردات متميزة، موصياً الجيل الشاب بالاضطلاع على تجربة بوسنيده للكتابة على المنهج نفسه.
محمد الحبسي:
• وقع اختيارنا على أحمد بوسنيده، كونه شخصية أدبية وفنية.. ومعطاءة في نشر المعرفة.
سلطان العميمي:
• الاحتفاليات الخاصة بالشعراء الإماراتيين الأوائل، تسهم في تعزيز الهوية وإبراز تاريخ الشعر النبطي.
سيرة إبداعية
وُلد الشاعر أحمد بن عبدالرحمن الهرمسي النعيمي عام 1855 ورحل في 1920، وعرف بأحمد بوسنيده، ولقبه المؤرخ محمد بن صالح المطوع بـ«مقلة زمانه». نشأ في الشارقة وتلقى العلم على أيدي علماء بارزين، فظهرت مواهبه مبكراً في الشعر النبطي، وجمال الخط العربي كذلك.


