يستضيف جاليري “بيروتين” في المركز المالي العالمي بدبي، تجربة فنية فريدة من نوعها، من خلال استضافة أحدث أعمال الفنان الأميركي دانيال أرشام، في أوّل معرض له في دولة الإمارات، بعنوان “ما تبقى” أو “What Remains”. يستمر هذا المعرض المذهل حتى 10 يناير 2026، ويدعو الزوار للانغماس في عالم يمزج بين الفن والتأمل والتاريخ. يمثل هذا المعرض فرصة استثنائية لاستكشاف رؤية أرشام الفنية المبتكرة، والتي تتناول موضوعات الذاكرة الثقافية ومرور الزمن بطرق غير تقليدية.
دانيال أرشام: تكريم ثقافة “الزن” واستكشاف الذاكرة
يركز الفنان دانيال أرشام في معرض “ما تبقى” على تكريم ثقافة “الزن” البوذية اليابانية، من خلال منحوتات مذهلة لأشجار البونساي المغلفة بالنحاس. هذه الأعمال الفنية ليست مجرد تمثيلات للطبيعة، بل هي استحضار لعالم الطبيعة اليابانية، مصحوبًا بعمل فني صوتي فريد يمزج بين الموسيقى الهادئة وأصوات العصافير، مما يخلق أجواءً من الهدوء والتأمل. يهدف أرشام من خلال هذا الدمج بين العناصر البصرية والسمعية إلى إثراء تجربة الزائر وجعله جزءًا من العمل الفني.
“علم الآثار الخيالي” وتجميد الزمن
يدعو أرشام في “ما بقي” الزوار إلى التمعن في تركيبات معقدة توحي بتفاعل طبقات زمنية ومسارات وحقب مختلفة. هذه التركيبات تذكرنا بالقطع الأثرية، حيث يكشف الماضي عن نفسه بطرق غير تقليدية وغير متوقعة. يركز الفنان على تحويل الأشياء المألوفة إلى حجارة، مما يمنحها طابعًا أيقونيًا. تنتمي معظم هذه الأشياء إلى أواخر القرن العشرين أو ما يُعرف بعصر الألفية، وتشكل حاويات للذاكرة الثقافية الجماعية. يقوم أرشام ببناء هذه الأشياء من الطين على طريقته الخاصة، في إطار مشروعه الممتد لعقود بعنوان “علم الآثار الخيالي”.
مواد فريدة وأعمال فنية مبهرة
يستخدم أرشام في أعماله مواد مميزة مثل البلورات الجيولوجية والهيدروستون الملون والبرونز المعتّق والألياف الزجاجية، لتقديم قطع فنية بأسلوب مبهر. من بين هذه القطع مجلة “رولينج ستون” المتآكلة ببلورات الكوارتز الوردي، وقبّعة فريق “نيويورك يانكيز” التي تبدو وكأنها تنبثق من بنية الجدار، وساعة رولكس العريقة، ومفتاح المرسيدس المتناسق مع معدنه الطيني. هذه الأعمال ليست مجرد نسخ طبق الأصل، بل هي تحويلات فنية تثير التساؤلات حول قيمة الأشياء ودورها في تشكيل هويتنا الثقافية. تعتبر هذه الأعمال مثالاً واضحاً على قدرة الفنان على دمج عناصر من الثقافة الشعبية مع مواد فنية راقية.
“المتاهة” واستكشاف الأبعاد الفنية
يضم المعرض أعمالاً متنوعة للفنان، بما في ذلك النحت والرسم والتصوير. يكشف أرشام أيضاً عن مجموعة جديدة من الأعمال المرتبطة بسلسلة “المتاهة” الأخيرة. يستوحي عمله “سلالم في متاهة”، المصنوع من الرمل المصبوب، إلهامه من أعمال فنانين مثل رينيه ماغريت وغيره. عند النظر إلى التمثال من الأمام، يبدو العمل كتمثال نصفي لشخص، ثم يتحول عند النظر إليه من الجانب إلى متاهة من المستويات المعمارية والسلالم. يعرض أرشام أيضًا لوحة صامتة لتمثال نصفي آخر على شكل متاهة، ومجموعة من الرسومات الفحمية لحيوانات مفترسة. هذه الأعمال تعكس قدرة الفنان على استكشاف الأبعاد الفنية المختلفة وتقديم رؤى جديدة حول العلاقة بين الفن والواقع.
دانيال أرشام: مسيرة فنية عالمية
أمضى الفنان دانيال أرشام أكثر من عشرين عاماً في بناء عالم فني يتحدى المفاهيم التقليدية للزمن والواقع. غالبًا ما تستحضر أعماله شعوراً بالحنين إلى الماضي واستكشافاً خيالياً، ما يشجع المشاهدين على التأمل في تاريخنا الجماعي والقطع الأثرية التي تشكل هويتنا الثقافية. وُلد أرشام عام 1980 في أوهايو الأميركية، ويعيش ويعمل في نيويورك. يستكشف في أعماله مجالات الفنون الجميلة، والهندسة المعمارية، وفنون الأداء، والتصميم، والسينما. يعمل مع فنانين وموسيقيين ومصممين وعلامات تجارية عالمية مثل تيفاني، وبورش، وديور. لقد أقام أرشام معارض فردية في أبرز متاحف العالم، وتوجد أعماله في المجموعات العامة لمتحف بلانتون للفنون في تكساس، ومركز بومبيدو في باريس، ومتحف جورجيا للفنون في أثينا، ومعهد الفن المعاصر في ميامي، والمعرض الوطني لفيكتوريا ملبورن في أستراليا، والمتحف الوطني في قطر وغيره.
إن معرض “ما تبقى” لدانيال أرشام في جاليري “بيروتين” بدبي هو فرصة لا تُفوّت لعشاق الفن والمهتمين بالثقافة والتاريخ. هذا المعرض يقدم تجربة فنية فريدة من نوعها، تدعو إلى التأمل والتفكير في طبيعة الذاكرة الثقافية ومرور الزمن. لا تترددوا في زيارة المعرض والاستمتاع بأعمال هذا الفنان الموهوب، واستكشاف عالم “علم الآثار الخيالي” الذي بناه على مدى سنوات طويلة. دانيال أرشام يقدم لنا رؤية فنية جديدة ومبتكرة، تجعلنا ننظر إلى العالم من حولنا بطريقة مختلفة.
معرض دبي هذا يمثل إضافة قيمة للمشهد الفني في المنطقة، ويؤكد على مكانة دبي كمركز عالمي للفن والثقافة. الفن المعاصر في دبي يشهد تطوراً ملحوظاً، ومعرض “ما تبقى” هو دليل على ذلك. ثقافة الزن حاضرة بقوة في أعمال أرشام، مما يضيف بعداً روحياً وفلسفياً للمعرض.


