في خطوة لافتة وغير معتادة، استنكر البابا ليو الرابع عشر، خلال عظة عيد الميلاد، الأوضاع المأساوية التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة، مؤكدًا على ضرورة إيجاد حل عادل وشامل لهذه القضية الإنسانية. هذا النداء المباشر، الذي أطلقه البابا في قداس مهيب، يعكس قلقه العميق إزاء معاناة المدنيين في غزة، ويضع الضوء على الحاجة الملحة إلى السلام والاستقرار في المنطقة.

رسالة عيد الميلاد وتأكيد البابا على وضع غزة

عادة ما تكون عظات عيد الميلاد فرصة للتأمل الروحي والدعوة إلى السلام والمحبة، إلا أن البابا ليو الرابع عشر اختار أن يوجه رسالة قوية ومؤثرة حول الأوضاع الإنسانية الصعبة في غزة. وتساءل البابا بأسف: “كيف لنا ألا نفكر بالخيام في غزة، التي ظلت لأسابيع مكشوفة أمام المطر والرياح والبرد؟”. هذا السؤال البلاغي يهدف إلى إثارة الضمائر وتذكير العالم بمسؤولياته تجاه الشعب الفلسطيني.

يأتي هذا الموقف من البابا ليو الرابع عشر في سياق اهتمامه المتزايد بالقضايا الإنسانية، وخاصة تلك المتعلقة بالمهاجرين واللاجئين. وعلى الرغم من أن أسلوبه يعتبر أكثر هدوءًا ودبلوماسية مقارنة بسلفه البابا فرنسيس، إلا أنه لم يتردد في التعبير عن أسفه العميق لما يواجهه الفلسطينيون.

الوضع الإنساني المتردي في غزة

تأتي تصريحات البابا ليو في ظل تقارير متزايدة عن الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة، حيث يعاني معظم السكان من نقص حاد في الغذاء والماء والدواء والمأوى. المنظمات الإنسانية تحذر باستمرار من أن المساعدات التي تصل إلى غزة لا تزال غير كافية لتلبية الاحتياجات المتزايدة للسكان. الوضع في فلسطين يتطلب تدخلًا دوليًا عاجلًا لضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل كافٍ وحماية المدنيين.

الدعوة إلى السلام وحقوق المهاجرين

لم يقتصر اهتمام البابا ليو الرابع عشر على القضية الفلسطينية، بل امتد ليشمل أوضاع المهاجرين واللاجئين في جميع أنحاء العالم. وفي عظة لاحقة بمناسبة عيد الميلاد، أعرب البابا عن أسفه لحال المهاجرين الذين “يجوبون القارة الأميركية”، مؤكدًا على أهمية رعاية المحتاجين وتقديم المساعدة لهم. هذا التركيز على الهجرة يعكس التزام البابا بالقيم المسيحية الأساسية المتعلقة بالرحمة والتسامح.

وعلى الرغم من أنه لم يذكر الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالاسم، إلا أن البابا ليو سبق أن انتقد حملة ترمب على المهاجرين، مؤكدًا على ضرورة احترام حقوق الإنسان وكرامة جميع الأشخاص، بغض النظر عن جنسيتهم أو وضعهم القانوني.

التأكيد على ضرورة قيام دولة فلسطينية

في سياق متصل، جدد البابا ليو الرابع عشر تأكيده على أن الحل الوحيد للصراع المستمر بين إسرائيل والشعب الفلسطيني يجب أن يتضمن قيام دولة فلسطينية. وقد صرح بذلك للصحافيين الشهر الماضي، مؤكدًا على أهمية الحوار والتفاوض من أجل تحقيق السلام العادل والشامل.

يذكر أن إسرائيل وحركة حماس اتفقتا في أكتوبر الماضي على وقف إطلاق النار، بعد عامين من القصف المكثف والعمليات العسكرية التي أعقبت هجوم حماس على بلدات إسرائيلية في السابع من أكتوبر 2023. ومع ذلك، لا يزال الوضع في غزة هشًا وغير مستقر، ويتطلب جهودًا دولية متواصلة لضمان استمرار وقف إطلاق النار وتحسين الأوضاع الإنسانية.

نداء عالمي لإنهاء الحروب

خلال رسالة “إلى المدينة والعالم”، التي ألقاها البابا في عيد الميلاد وعيد الفصح، دعا البابا ليو إلى إنهاء جميع الحروب والصراعات في جميع أنحاء العالم. وعبر عن أسفه العميق للأوضاع المأساوية في أوكرانيا والسودان ومالي وميانمار وتايلندا وكمبوديا وغيرها من الدول التي تعاني من ويلات العنف والدمار.

وقال البابا: “هشة هي أجساد الشعوب العاجزة عن الدفاع عن نفسها، تعاني من ويلات حروب لا تزال مستمرة، أو انتهت مخلفة وراءها أنقاضاً وجراحاً غائرة”. كما أعرب عن أسفه لحال الشباب الذين اضطروا لحمل السلاح، مشيرًا إلى أنهم يشعرون بعبثية ما يُطلب منهم وبالأكاذيب التي تملأ الخطابات الرنانة.

وفيما يتعلق بالصراعات الحدودية بين تايلندا وكمبوديا، التي أسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 80 شخصًا، طلب البابا ليو إعادة “الصداقة القديمة” بين البلدين، “للعمل من أجل المصالحة والسلام”. إن هذه الدعوة إلى الحوار والسلام تعكس رؤية البابا لضرورة بناء عالم يسوده العدل والمساواة والتسامح.

في الختام، يمثل موقف البابا ليو الرابع عشر بشأن غزة وغيرها من المناطق المتضررة من الصراعات، رسالة أمل ونداءً للضمير الإنساني. إن التعبير عن الأسف والمعاناة ليس مجرد واجب أخلاقي، بل هو أيضًا خطوة ضرورية نحو إيجاد حلول عادلة وشاملة لهذه القضايا المعقدة. ندعو جميع الأطراف المعنية إلى الاستماع إلى هذا النداء والعمل بجد من أجل تحقيق السلام والاستقرار في جميع أنحاء العالم.

شاركها.
Exit mobile version