تُعدّ تقنية استخلاص الألبومين من الأرز، التي طوّرها باحثون صينيون، نقلة نوعية في مجال الصناعات الدوائية الحيوية. فبعد أكثر من عقدين من البحث والتطوير، نجحوا في إنتاج أول ألبومين بشري مستخلص من النباتات باستخدام الهندسة الوراثية، مما يفتح آفاقاً جديدة لتلبية الطلب المتزايد على هذا البروتين الحيوي، ويقلل الاعتماد على مصادر البلازما البشرية. الألبومين هو بروتين أساسي في الدم، وله دور حيوي في العديد من وظائف الجسم، ويستخدم على نطاق واسع في علاج الحالات الطبية الحرجة.
ما هو الألبومين البشري وأهميته؟
الألبومين البشري هو بروتين ينتجه الكبد، وهو المكون الرئيسي لبلازما الدم. يلعب دوراً محورياً في الحفاظ على توازن السوائل داخل الأوعية الدموية، ونقل المواد الضرورية مثل الهرمونات والأدوية، بالإضافة إلى دوره في وظائف الجسم الحيوية الأخرى. يُستخدم قياس مستوى الألبومين في الدم كمؤشر مهم لصحة الكبد والكلى والتغذية العامة. كما أنه علاج أساسي للمرضى الذين يعانون من فقدان كميات كبيرة من الدم، أو تليف الكبد، أو الحروق الشديدة.
“إنتاج الدم من الأرز”: كيف تعمل التقنية الجديدة؟
الفكرة المبتكرة، التي أطلق عليها الإعلام الصيني اسم “إنتاج الدم من الأرز”، تعتمد على تعديل بذور الأرز وراثياً. يتم ذلك عن طريق إدخال جينات بشرية إلى البذور، مما يجعلها قادرة على إنتاج بروتين الألبومين. يقول البروفيسور يانج داي تشانج، قائد فريق البحث بجامعة ووهان: “كمية الألبومين المستخرجة من 5 كيلوجرامات من الأرز تعادل ما يوجد في لتر واحد من بلازما الدم”. هذه التقنية لا تنتج الدم فعلياً، بل تستخدم الأرز كـ “ورشة إنتاج” للبروتينات، وفقاً لتصريحات دونج ليانج ليانج، المدير الرفيع لمشروعات البحث والتطوير في شركة ووهان هيلثجن للتكنولوجيا الحيوية.
مزايا استخلاص الألبومين من الأرز
تتميز هذه التقنية الجديدة بعدة مزايا مقارنة بالطرق التقليدية لاستخلاص الألبومين من البلازما البشرية. أولاً، تقضي على مخاطر التلوث بالفيروسات البشرية، وهو مصدر قلق كبير في المنتجات المشتقة من البلازما. ثانياً، زراعة الأرز لا تخضع لقيود المكان والزمان، مما يجعل عملية الإنتاج أكثر استدامة ومرونة. ثالثاً، عملية الإنتاج أكثر أماناً وقابلية للتحكم، مما يضمن جودة المنتج النهائي. بالإضافة إلى ذلك، يمثل إنتاج الألبومين بهذه الطريقة حلاً واعداً لمشكلة نقص المتبرعين بالدم.
الصين تقود الطريق نحو إنتاج الألبومين النباتي
تواجه الصين تحديات كبيرة في توفير الألبومين البشري الكافي لتلبية احتياجاتها المتزايدة، حيث كانت تستورد أكثر من 60% من احتياجاتها من الخارج. تهدف الصين الآن إلى إنتاج 12 مليون حقنة سنوياً من الألبومين المستخلص من الأرز، وهو ما يمكن أن يغطي حوالي ربع وارداتها. وقد أعلنت الهيئة الوطنية للأدوية في يوليو 2025 موافقتها على بيع أول منتج لحقن الألبومين البشري ذي المصدر النباتي تحت الاسم التجاري “أوفومين”، من إنتاج شركة ووهان هيلثجن للتكنولوجيا الحيوية. هذا الإنجاز يضع الصين في طليعة الدول المنتجة للألبومين النباتي على مستوى العالم.
رحلة البحث والتطوير والتجارب السريرية
بدأت رحلة البحث والتطوير في عام 2005، حين أطلق فريق البروفيسور يانج داي تشانج مشروعاً بحثياً طموحاً في جامعة ووهان. مر المشروع بمراحل دقيقة من التجارب المخبرية وتحسين معدلات الاستخلاص على مدار أكثر من 20 عاماً. في عام 2017، حصلت التقنية على موافقة لإجراء التجارب السريرية، والتي خضعت لعدة مراحل من التقييم لضمان السلامة والفاعلية. وقد كان البروفيسور يانج داي تشانج أول من تلقى الحقنة التجريبية، مما عزز الثقة في المنتج. أثبتت الاختبارات السريرية أن الألبومين المستخلص من الأرز يتمتع بنفس الخصائص العلاجية للألبومين البشري التقليدي، مع ميزة إضافية وهي خلوه من أخطار التلوث الفيروسي.
مستقبل الألبومين النباتي وتطبيقاته المحتملة
يمثل الألبومين المستخلص من النباتات، وخاصة الأرز، بديلاً واعداً للألبومين البشري التقليدي. بالإضافة إلى علاج الحالات الطبية المعروفة، يمكن أن يفتح هذا التقدم الباب أمام تطبيقات جديدة في مجالات مثل هندسة الأنسجة، وتطوير الأدوية، والتشخيص الطبي. مع استمرار الأبحاث والتطوير، من المتوقع أن تصبح هذه التقنية أكثر كفاءة وفعالية من حيث التكلفة، مما يجعلها في متناول المزيد من المرضى حول العالم. البروتين المستخلص من الأرز يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الألبومين، وتقليل الاعتماد على المصادر الحيوانية والبشرية.
باختصار، تُعدّ تقنية استخلاص الألبومين من الأرز إنجازاً علمياً رائداً يفتح آفاقاً جديدة في مجال الصناعات الدوائية الحيوية. فهي توفر بديلاً آمناً وفعالاً للألبومين البشري التقليدي، وتساهم في حل مشكلة نقص المتبرعين بالدم، وتعزز الاستدامة في إنتاج الأدوية الحيوية. من المتوقع أن يكون لهذا التقدم تأثير كبير على صحة ورفاهية المرضى في جميع أنحاء العالم.
