في تصريحات نقلتها وكالات الأنباء، أعرب وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، عن عدم استبعاد بلاده احتمال شن الولايات المتحدة أو إسرائيل هجوماً جديداً، مؤكداً في الوقت نفسه استعداد إيران لمواجهة أي سيناريو محتمل. تأتي هذه التصريحات في أعقاب تقارير إعلامية تشير إلى عزم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عرض خيارات عسكرية ضد إيران على الرئيس الأميركي، دونالد ترمب. هذه التطورات تضع منطقة الشرق الأوسط على أعتاب تصعيد جديد، وتزيد من حدة التوتر القائم حول البرنامج النووي الإيراني.
استعداد إيران لمواجهة أي هجوم
أكد عراقجي، في مقابلة مع شبكة “روسيا اليوم”، أن إيران “مستعدة بالكامل، بل أكثر استعداداً من ذي قبل” لمواجهة أي عدوان محتمل. وشدد على أن هذا الاستعداد لا يمثل رغبة في الحرب، بل هو إجراء وقائي يهدف إلى منعها. وأوضح أن إيران قامت بالفعل بإعادة بناء جميع المنشآت التي تعرضت للأضرار خلال الهجمات السابقة، محذراً من أن أي محاولة لتكرار هذه الهجمات لن تحقق نتائج أفضل. هذا التصريح يهدف إلى إرسال رسالة ردع قوية للولايات المتحدة وإسرائيل، وتأكيد قدرة إيران على الدفاع عن نفسها.
وأضاف عراقجي أن أفضل طريقة لتجنب الحرب هي التحضير الجيد لجميع الاحتمالات، مشدداً على أن إيران تفضل دائماً الحلول الدبلوماسية. ومع ذلك، فإنها لن تتهاون في الدفاع عن أمنها القومي ومصالحها.
الانفتاح على اتفاق نووي عادل ورفض الإملاءات
تؤكد إيران باستمرار انفتاحها على التوصل إلى اتفاق نووي جديد، لكنها ترفض أي محاولة لفرض شروط غير عادلة أو “إملاءات” من قبل الولايات المتحدة. وقال عراقجي: “نحن نؤيد اتفاقاً قائماً على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وليس اتفاقاً أحادي الجانب، كما تحاول الإدارة الأميركية الحالية فرضه”. وأشار إلى أن طهران مستعدة للدخول في مفاوضات، ولكن ضمن إطار يضمن العدالة والتوازن للطرفين.
ويعتبر ملف التخصيب النووي من أبرز النقاط الخلافية في المفاوضات. يعتبر عراقجي التخصيب حقاً مشروعاً لإيران، ويؤكد على استعدادها لتقديم ضمانات كاملة بشأن الطابع السلمي لبرنامجها النووي، كما فعلت في إطار اتفاق 2015. وشدد على أن التخصيب يمثل “مسألة تتعلق بالكرامة والفخر الوطنيين”، لأنه ثمرة إنجازات علمائها.
الأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية وقدرة إيران على التعافي
أقر وزير الخارجية الإيراني بأن الضربات الأميركية الإسرائيلية التي استهدفت منشآت نووية في نطنز وفوردو قبل بضعة أشهر تسببت بأضرار جسيمة. ومع ذلك، أكد أن هذه الضربات لم تدمر البرنامج النووي الإيراني، مشدداً على أن “التكنولوجيا لا يمكن قصفها”. وأضاف أن إيران عازمة على مواصلة برنامجها السلمي، وأنها قادرة على التغلب على أي عقبات تواجهها.
المفاوضات السرية مع الولايات المتحدة
كشف عراقجي عن إجراء خمس جولات من المفاوضات السرية مع المبعوث الأميركي الخاص، ستيف ويتكوف. وكان من المقرر عقد جولة سادسة في يونيو الماضي، لكن الهجوم الإسرائيلي “غير القانوني” على منشآت نووية إيرانية، والذي تبعه موقف مماثل من الولايات المتحدة، قد أعاق هذه الجهود. واعتبر عراقجي أن استهداف إيران في “منتصف المفاوضات” يمثل تجربة مريرة، ويؤكد على عدم جدية الولايات المتحدة في السعي إلى حل دبلوماسي.
انتقادات للوكالة الدولية للطاقة الذرية
وجه وزير الخارجية الإيراني انتقادات حادة للوكالة الدولية للطاقة الذرية بسبب امتناعها عن إدانة الهجمات على المنشآت النووية الإيرانية. واعتبر ذلك سابقة خطيرة وانتهاكاً جسيماً للقانون الدولي. وأشار إلى أن مسألة تفتيش المنشآت التي تعرضت لهجوم عسكري “غير مسبوقة”، وتتطلب وضع إطار جديد للتفتيش بالتعاون مع الوكالة.
كما اتهم عراقجي الوكالة بالتحول إلى “كيان مسيس” بفعل ضغوط بعض الدول، داعياً إياها إلى العودة إلى دورها التقني والمهني. وطالب روسيا، بصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي، بالاضطلاع بدور منصف وحازم في مواجهة ما وصفه بـ”تسييس الملف النووي”.
مخاوف إسرائيلية من برنامج الصواريخ الباليستية
تأتي هذه التصريحات في ظل مخاوف إسرائيلية متزايدة من برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني. نقل موقع “أكسيوس” الأميركي عن مسؤولين إسرائيليين أنهم يعتزمون عرض خيارات عسكرية جديدة على الرئيس ترمب خلال لقائهما المرتقب في فلوريدا، بدعوى تسارع إنتاج الصواريخ الباليستية الإيرانية، وسعي طهران إلى إعادة تأهيل قدراتها العسكرية. ويرى المسؤولون الإسرائيليون أن جهود إيران لإعادة بناء منشآت إنتاج الصواريخ الباليستية وإصلاح أنظمة الدفاع الجوي المتضررة تمثل مصدر القلق الأكثر إلحاحاً.
الخلاصة
في الختام، تظل قضية البرنامج النووي الإيراني محط اهتمام دولي، وتزيد من حدة التوتر في منطقة الشرق الأوسط. تؤكد إيران استعدادها للدفاع عن أمنها القومي ومصالحها، وتدعو إلى حل دبلوماسي عادل ومتوازن. ومع ذلك، فإنها لا تستبعد احتمال شن هجمات جديدة من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل، وتستعد لمواجهة أي سيناريو محتمل. يبقى السؤال المطروح هو ما إذا كانت الولايات المتحدة ستختار طريق التصعيد العسكري أم العودة إلى طاولة المفاوضات.


