تزايد الابتزاز الإلكتروني عبر التقييمات: تهديد لأصحاب الأعمال في الإمارات
لم يعد التقييم الإلكتروني مجرد ملاحظة يتركها زبون على صفحة مطعم أو شركة خدمات، فقد تحوّل في حالات عدة إلى أداة مساومة أو ضغط تهدد أصحاب الأعمال، بعدما اكتشف البعض أن «نجمة واحدة» كفيلة بخفض الحجوزات، وإرباك المشروعات الصغيرة، وفتح الباب أمام نوع جديد من الابتزاز الرقمي. هذه الظاهرة المتزايدة تثير قلقاً بالغاً في أوساط مجتمع الأعمال في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتدفعهم للبحث عن حلول لمواجهة هذا التحدي الجديد.
قصص من أرض الواقع: كيف يستهدف المبتزون الشركات؟
أكد أصحاب مطاعم وشركات تأجير سيارات ومشروعات صغيرة لـ«الإمارات اليوم» أنهم يتعرضون بشكل دوري لهجمات من التعليقات السلبية، تظهر عادة من حسابات مجهولة في فترة زمنية قصيرة، ثم تتبعها رسائل تطلب مبالغ مالية مقابل حذف التقييمات أو منع تكرار الهجمات. هذه الهجمات ليست عشوائية، بل تتميز بالتخطيط والتركيز على إحداث أكبر ضرر ممكن في أقصر وقت. صاحب شركة تأجير سيارات أوضح أن مجرد تعليق واحد يفيد بعدم التزام الشركة برد مبلغ الضمان، قد يؤدي إلى خسارة العديد من الزبائن المحتملين.
وتتراوح مبالغ الابتزاز المطلوبة من 100 دولار لحذف تعليق واحد، حسب قوة تأثيره وسرعة استجابة الشركة. أحد مديري المطاعم، أحمد حسن، ذكر أن المهاجمين غالباً ما يكونون خارج الدولة، ما يزيد من صعوبة التعامل معهم قانونياً. موظفة في مركز خدمات صحية (س.م) سردت موقفاً مماثلاً حيث هدد مراجع بترك تقييم سلبي إذا لم يتم منحه خصماً إضافياً، ثم ظهرت ثلاثة تقييمات سلبية في يوم واحد بعد رفض الطلب. هذه الأمثلة توضح أن التقييمات السلبية أصبحت سلاحاً فعالاً في يد المبتزين، تستهدف سمعة الشركات وتهدد استقرارها المالي.
تأثير التقييمات السلبية الممنهجة على الأعمال
الضرر الناجم عن التقييمات الممنهجة لا يقتصر على الخسائر المالية. فقدان الثقة من العملاء، وتراجع الإقبال على الخدمات، وصعوبة استعادة السمعة الممتازة – كلها أمور تستغرق وقتاً وجهداً كبيرين. مدير في شركة خدمات الهجرة والتأشيرات، صرح أن إصلاح الضرر الناتج عن هجوم تقييمات سلبي قد يستغرق أسبوعين أو أكثر، بينما يستغرق المهاجم ساعة واحدة فقط لتنفيذ مخططه.
هذه الفجوة الزمنية تعني أن الشركات تصبح عرضة للخطر لفترة طويلة، خاصة تلك الصغيرة والناشئة التي تعتمد بشكل كبير على التسويق الإلكتروني والتقييمات الإيجابية لجذب العملاء. بالإضافة إلى ذلك، تتسبب هذه الهجمات في تعطيل سير العمل، حيث يتم تخصيص موارد إضافية لمراقبة التقييمات والرد عليها، بدلاً من التركيز على تطوير الأعمال وتقديم خدمات أفضل للعملاء.
الابتزاز عبر الإنترنت: نظرة قانونية وتسويقية
خبراء في القانون والتسويق والتقنية حذروا من خطورة الابتزاز الإلكتروني عبر التقييمات، مؤكدين أنه يستغل التقييمات الرقمية للتأثير على سمعة الشركات وطلب مبالغ مالية مقابل “تصحيح الوضع”. المحامي الدكتور عبدالله يوسف آل ناصر، أكد أن التشريعات الإماراتية حاسمة في هذا الأمر، وتعتبره جريمة ابتزاز إلكتروني يعاقب عليها القانون. المادة (42) من المرسوم بقانون اتحادي رقم (34) لسنة 2021 بشأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، تنص على معاقبة مرتكبي هذه الجرائم بالحبس والغرامة حتى 500 ألف درهم.
لكن العقبة الرئيسية تكمن في صعوبة الإبلاغ عن هذه الجرائم عبر المنصات العالمية، نظراً لصعوبة إثبات أن التقييم جزء من عملية ابتزاز. في هذا السياق، أوضح الدكتور سهيل البستكي، خبير التسويق وحماية المستهلك، أن المعادلة الرقمية قد تغيرت، وأن الكلمة لم تعد مجرد رأي عابر، بل قد تتحول إلى وسيلة ضغط أو تهديد. كما أشار إلى وجود شركات تستغل عدد متابعيها أو نفوذها لحذف الانتقادات السلبية، بينما يلجأ آخرون إلى إنشاء حسابات وهمية لتضليل المستهلكين.
مواجهة التحدي: حلول تقنية واستراتيجية
في مواجهة هذا التهديد المتزايد، يجب على الشركات اتخاذ خطوات استباقية لحماية سمعتها وصورتها. خبير التسويق الرقمي عبدالرحمن عليوة، أكد على وجود كيانات متخصصة في التلاعب بتقييمات الشركات، وتبيع باقات لرفع أو خفض التقييمات مقابل مبالغ زهيدة. وهذا يتطلب من المنصات الكبرى بذل المزيد من الجهود لاكتشاف هذه الحسابات الوهمية وحذفها، والتعامل مع الشكاوى المقدمة من الشركات بشكل أسرع وأكثر فعالية.
إلى جانب الحلول التقنية، يجب على الشركات أيضاً تطوير استراتيجية محتوى قوية، تعزز الثقة وتشجع العملاء على ترك تقييمات إيجابية. ويتضمن ذلك تقديم محتوى ذي جودة عالية، والرد بسرعة واحترافية على جميع التعليقات، سواء كانت إيجابية أو سلبية، وتوثيق النجاحات والاعتماد على الشفافية والمصداقية في التعامل مع العملاء. كما يجب على المستهلكين توخي الحذر والتحقق من هوية الحسابات قبل اتخاذ قرارات بناءً على التقييمات المنشورة، وإدراك أن التقييمات الإلكترونية قد تكون غير دقيقة أو مضللة في بعض الأحيان.
الخلاصة، الابتزاز الإلكتروني عبر التقييمات يمثل تهديداً حقيقياً لأصحاب الأعمال في الإمارات، ويتطلب تعاوناً بين الشركات، والجهات الحكومية، والمنصات الرقمية، والمستهلكين لمواجهته بفعالية وضمان بيئة رقمية آمنة وموثوقة.


