أكدت محكمة أبوظبي للأسرة والدعاوى المدنية والإدارية – الاستئناف، مبدأً هاماً في علاقة المحامي بموكله، وذلك بإيداعها حكمًا نهائيًا يرفض دعوى رفعها موكل ضد محاميه، مطالبًا باسترداد مبالغ مالية دفعت كأتعاب. يركز هذا الحكم على أهمية الالتزام التعاقدي وحقوق المحامي في الحصول على أتعابه، خاصةً عند فسخ الوكالة من قبل الموكل دون مبرر قانوني. هذه القضية تلقي الضوء على حقوق المحامين وضرورة فهم بنود اتفاقية الأتعاب قبل إبرامها.
تفاصيل القضية: نزاع حول أتعاب المحاماة
بدأت القضية بقيام رجل أعمال بمقاضاة مكتب محاماة، مطالبًا بفسخ اتفاقية الأتعاب وإعادة مبلغ 200 ألف درهم سددها كمقدم أتعاب، بالإضافة إلى شيك بمبلغ مليون درهم يمثل باقي الأتعاب المتفق عليها. ادعى الرجل أن المحامي لم يبذل العناية والجهد القانوني اللازمين في قضاياه، ولم يقم بإطلاعه على مستجداتها، مما دفعه إلى فسخ الوكالة.
وقد قدم الرجل سندًا لدعواه صورًا ضوئية من اتفاقية الأتعاب، وإيصالات سداد، وكشف حساب بنكي. كما أشار إلى أنه قام بإلغاء الوكالة، ومطالبة المحامي برد المبلغ المدفوع والشيك، وتسليم الملفات، إلا أن المحامي رفض ذلك وصرف الشيك على الرغم من عدم استحقاقه له، بحسب ادعائه.
حكم محكمة أول درجة واستئناف الموكل
قضت محكمة أول درجة برفض الدعوى، وإلزام الرجل بدفع الرسوم والمصروفات القضائية. لم يرتضِ الرجل هذا الحكم، فاستأنف عليه، مطالبًا بإلغاء حكم محكمة البداية، والحصول على كافة طلباته. استند الاستئناف إلى أن المحكمة أخطأت في تطبيق القانون، واعتبرت العلاقة بين الطرفين مجرد وكالة عادية، في حين أنها عقد ملزم.
حيثيات حكم محكمة الاستئناف: تأييد لحقوق المحامي
بعد دراسة أوراق الدعوى ومستنداتها، بالإضافة إلى مراجعة محاضر الجلسات، أيدت محكمة الاستئناف حكم محكمة أول درجة. وقد استندت المحكمة في حكمها إلى عدة نقاط رئيسية، أبرزها أن الموكل هو من بادر بفسخ عقد الوكالة وعزل المحامي دون وجود سبب قانوني مشروع، وذلك بعد أن بدأ المحامي بالفعل في تنفيذ الأعمال الموكلة إليه.
وأوضحت المحكمة أن التزام المحامي هو بذل العناية المهنية اللازمة، وليس بالضرورة تحقيق نتيجة معينة. وبينت أن المحامي قد قام بواجباته على أكمل وجه، حيث حضر عن الموكل أمام الجهات القضائية، وقدم المذكرات والمستندات اللازمة، وقام بمتابعة القضايا الموكلة إليه.
أهمية التواصل والإشعار بالمستجدات
على الرغم من أن الموكل ادعى عدم إشعاره بمستجدات القضايا، إلا أن المحكمة رأت أن عدم الإشعار بكافة المستجدات لا يُعد سببًا جوهريًا لفسخ العقد، طالما أنه لم يترتب على ذلك ضياع حق للموكل أو تفويت مصلحة جوهرية. كما أشارت المحكمة إلى أن المحامي قد قام بإخطار الموكل بمستجدات التقاضي عبر رسائل الواتساب.
صرف الشيك: حق مكتسب للمحامي
أما فيما يتعلق بصرف الشيك بمبلغ مليون درهم، فقد رأت المحكمة أن المحامي كان له الحق في صرفه، وذلك لأن الموكل هو من فسخ العقد من جانبه دون سبب مشروع، وبالتالي لا يحق له المطالبة باسترداد الأتعاب المتفق عليها. وقد استندت المحكمة في ذلك إلى نص المادة 57 من قانون المحاماة والاستشارات القانونية. هذا يؤكد على أهمية اتفاقيات الأتعاب الواضحة والصريحة.
الدروس المستفادة من هذه القضية
هذه القضية تقدم دروسًا قيمة لكل من المحامين والموكلين. بالنسبة للمحامين، فإنها تؤكد على أهمية توثيق كافة الإجراءات التي يقومون بها، والتواصل المستمر مع الموكلين، وإطلاعهم على مستجدات قضاياهم. وبالنسبة للموكلين، فإنها تشدد على ضرورة قراءة وفهم بنود عقد الوكالة بعناية قبل التوقيع عليه، وعدم فسخ العقد إلا لسبب قانوني مشروع.
أهمية الاستشارة القانونية قبل فسخ الوكالة
قبل اتخاذ قرار بفسخ الوكالة، من الضروري استشارة محامٍ آخر للحصول على رأي قانوني مستقل. قد يساعد ذلك الموكل على فهم حقوقه والتزاماته بشكل أفضل، وتجنب الوقوع في نزاعات قانونية مكلفة. كما أن الاستشارة القانونية قد تكشف عن وجود حلول بديلة لفسخ العقد، مثل التفاوض مع المحامي أو تعديل بنود الاتفاقية. الاستعانة بـ محام متخصص يمكن أن يوفر الكثير من الوقت والجهد والمال.
في الختام، يمثل هذا الحكم تأكيدًا على أهمية احترام العقود والالتزامات القانونية، وحماية حقوق المحامين في الحصول على أتعاب عادلة مقابل خدماتهم. كما أنه يذكر بأهمية التخطيط المسبق والاستشارة القانونية قبل اتخاذ أي قرار قد يؤثر على الحقوق والواجبات.



