في قلب دبي، وفي منطقة زعبيل الأولى تحديدًا، يقع منزل فريد من نوعه، تجسيد حي للكرم الإماراتي والأصالة العربية. على مدى أكثر من 35 عامًا، اختار صاحبه، المواطن أحمد بن سليم بن بطي العامري، أن يجعله مفتوحًا للجميع، دون باب، في لفتة إنسانية نادرة تعكس قيم الضيافة الإماراتية وتقاليدها العريقة. هذا المنزل ليس مجرد مكان للسكن، بل هو رمز للأمن والأمان والتكافل الاجتماعي، وأيقونة تجذب الزوار من كل حدب وصوب.

قصة المنزل بلا باب: جذور في التراث

بدأت قصة هذا المنزل المذهل في عام 1983، حين بناه السيد أحمد العامري. وبعد سنوات قليلة، وحين قرر توسيع المنزل، اتخذ قرارًا جريئًا وغير مسبوق: إزالة الباب وترك المنزل مفتوحًا دائمًا. لم يكن هذا القرار وليد الصدفة، بل كان نابعًا من قناعة عميقة بأهمية التواصل والاجتماع. “لو أغلقنا الباب، لما جاء أحد، ولما اجتمعنا، ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم لم نواجه أي مشكلات، وبقي المنزل مساحة مفتوحة للناس”، هذا ما قاله السيد العامري في حديثه لجريدة الإمارات اليوم.

فلسفة اللامعة والاجتماع

يمثل المنزل تجسيدًا حقيقيًا لمعنى “اللمة” العربية الأصيلة، تلك التجمعات العفوية التي تجمع الأهل والجيران والأصدقاء، وتعزز الروابط الإنسانية. أصبح المنزل نقطة التقاء دائمة للجميع، مكانًا يتبادلون فيه أطراف الحديث، ويشاركون الأفراح والأحزان، ويتعاونون في حل المشكلات. هذه الروح الاجتماعية المتأصلة في المجتمع الإماراتي هي التي ألهمت السيد العامري لتحويل منزله إلى فضاء مفتوح للجميع، مُعززًا بذلك قيم التسامح والاختلاط الثقافي.

الأمن والأمان: دعامة المجتمع الإماراتي

تعتبر قصة هذا المنزل شهادة حية على مستوى الأمن والأمان الذي ينعم به المجتمع الإماراتي. ففي عالم يشهد الكثير من التحديات والمخاطر، ظل هذا المنزل مفتوحًا على مدار عقود دون أن يتعرض لأي مشكلة أو حادث. وهذا يؤكد على مدى الاحترام المتبادل والثقة العالية التي تربط أفراد المجتمع ببعضهم البعض، بغض النظر عن جنسياتهم أو خلفياتهم.

موقف مع السياح: تجسيد للترحيب

روى السيد العامري موقفًا لا ينسى، حين دخل بعض السياح الأجانب منزله معتقدين أنه حديقة عامة! وعندما علموا أنه منزل خاص، استغربوا ودهشوا. ولكن بدلًا من أن ينزعج، رحب بهم السيد العامري وكرمهم، وقدم لهم الضيافة العربية الأصيلة. هذا الموقف يعكس بشكل واضح روح الكرم العربي والتسامح التي يتميز بها الإماراتيون، واستعدادهم دائمًا لفتح أبوابهم للجميع.

إحياء تقاليد المجلس: فضاء للحوار والتواصل

ولتعزيز هذه الروح، قام السيد العامري بتخصيص خيمة داخل منزله لاستقبال الزوار وتجمع الأهل والأصدقاء. تذكر هذه الخيمة تقاليد “المجلس” الإماراتية العريقة، التي كانت تمثل فضاءً للحوار والتواصل وحل المشكلات، ومكانًا لتبادل الآراء والأفكار. يقول السيد العامري أن منزله ظل مفتوحًا على مدار السنوات دون خوف أو قلق، حتى أن أبناءه ينامون والمنزل مفتوح تمامًا، وهذا دليل قاطع على الأمن والأمان الذي يحيط بهم.

الأمن للجميع: مواطنون ومقيمون على حد سواء

يؤكد السيد العامري أن الشعور بالأمان في دبي لا يقتصر على المواطنين، بل يمتد ليشمل جميع المقيمين على أرض الإمارات. ويقول: “المقيم يخاف على المكان كما يخاف عليه المواطن”. وهذا يعكس الوحدة الوطنية والتلاحم الاجتماعي الذي يتميز به المجتمع الإماراتي، حيث يشعر الجميع بأنهم جزء لا يتجزأ من هذا الوطن وأنهم مسؤولون عن الحفاظ على أمنه وسلامته.

تجارب سفر أسهمت في تعزيز ثقافة الضيافة الإماراتية

لم تقتصر تجارب السيد العامري على دبي، بل امتدت لتشمل دول العالم المختلفة. فقد كان من أوائل الإماراتيين الذين قاموا برحلة حول العالم بالسيارة في عام 1988، وزار خلالها العديد من الدول وصولًا إلى بريطانيا. ويقول إن هذه التجارب عززت لديه حب التقارب مع الناس واستضافتهم، وجعلته أكثر إيمانًا بأهمية التواصل والتبادل الثقافي.

في الختام، تبقى قصة المنزل بلا باب في دبي بمثابة شهادة حية على قوة الضيافة الإماراتية وقيمها الأصيلة. إنها قصة تلهمنا جميعًا لنكون أكثر كرمًا وتعاونًا وتسامحًا، ولنعمل معًا على بناء مجتمع أكثر أمانًا وتلاحمًا وتقديرًا للإنسانية. هذا المنزل ليس مجرد بناء، بل هو رمز للأمل والتفاؤل، وأيقونة تعكس صورة الإمارات الحقيقية للعالم. نتمنى أن تكون هذه القصة قد ألهمتكم ودفعتكم إلى التفكير في طرق لتعزيز قيم الكرم والتسامح في مجتمعاتكم.

شاركها.
Exit mobile version