التعويض عن الخطأ الطبي في دبي: مليونان درهم لزوج وطفلين

تعتبر قضايا الخطأ الطبي من بين الأخطر والأكثر حساسية التي تنظرها المحاكم، خاصةً عندما تؤدي إلى فقدان حياة عزيز. مؤخرًا، شهدت المحكمة المدنية الابتدائية في دبي صدور حكم تاريخي يلزم مستشفى خاصًا وأربعة أطباء يعملون لديه بتعويض زوج وطفليه بمبلغ مليوني درهم، وذلك بعد ثبوت مسؤوليتهم عن وفاة زوجته أثناء الولادة نتيجة إهمال طبي جسيم. هذا الحكم ليس فقط انتصارًا للعدالة، بل يرسخ أيضًا أهمية الالتزام بأعلى معايير الرعاية الصحية في دولة الإمارات العربية المتحدة.

تفاصيل القضية: إهمال أثناء الولادة يؤدي إلى وفاة

تعود جذور هذه القضية إلى دخول المتوفاة، وهي مواطنة خليجية، إلى المستشفى المذكور لإجراء عملية ولادة لطفلها الثاني، الذي تم الحمل به عن طريق التلقيح الاصطناعي. هذه الحالة تتطلب، كما أكدت التقارير الطبية، عناية خاصة ومتابعة دقيقة نظرًا لحساسيتها واحتمالية حدوث مضاعفات بعد الولادة. وبالفعل، عانت المتوفاة من نزيف حاد عقب الولادة، إلا أن الطاقم الطبي لم يتمكن من التعامل مع هذا النزيف بالسرعة والكفاءة المطلوبة، مما أدى إلى تدهور حالتها الصحية ووفاتها في النهاية.

تقرير اللجنة العليا للمسؤولية الطبية: دليل دامغ على الإهمال

لعب تقرير اللجنة العليا للمسؤولية الطبية، الصادر عن هيئة الصحة بدبي، دورًا حاسمًا في كشف الحقيقة وتحديد المسؤولية. أكد التقرير أن الرعاية الطبية المقدمة للمتوفاة كانت دون المستوى المطلوب، وأن الطاقم الطبي لم يتبع الإجراءات المناسبة للتعامل مع نزيف ما بعد الولادة في الوقت المناسب. هذا الإهمال، بحسب اللجنة، كان السبب المباشر في الوفاة، مؤكدةً وجود خطأ طبي جسيم لا يمكن تجاهله.

حكم المحكمة الجزائية وتأييده بالاستئناف

لم تتوقف القضية عند هذا الحد، بل تم إحالة الواقعة إلى القضاء الجزائي، حيث أدانت المحكمة الأطباء الأربعة بتهمة الإهمال الطبي وقضت بتغريم كل منهم 50 ألف درهم، بالإضافة إلى إلزامهم بدفع الدية الشرعية لورثة المتوفاة. وعلى الرغم من طعن الأطباء على هذا الحكم أمام محكمة الاستئناف، إلا أن المحكمة رفضت الطعون وأيدت الحكم السابق، ليصبح بذلك حكمًا باتًا ونهائيًا.

المحكمة المدنية تؤكد المسؤولية وتحدد التعويض

بناءً على الحكم الجزائي البات، نظرت المحكمة المدنية في الدعوى المطروحة، وأكدت أن الحكم الجزائي يحمل حجية فيما يتعلق بثبوت الخطأ الطبي ونسبته إلى مرتكبيه. واستنادًا إلى نص المادة (269) من قانون الإجراءات الجزائية، اعتبرت المحكمة أن الخطأ الطبي قد تم إثباته بشكل قاطع. كما أكدت المحكمة أن المشرّع الإماراتي، بموجب المرسوم بقانون اتحادي رقم (4) لسنة 2016 بشأن المسؤولية الطبية، يلزم جميع العاملين في المجال الطبي بالالتزام بالأصول العلمية والفنية المتعارف عليها.

تقدير الأضرار: مادية وأدبية ونفسية

لم يقتصر الضرر الذي لحق بالمدعي وطفليه على الجانب المادي فحسب، بل امتد ليشمل الضرر الأدبي والنفسي الناتج عن فقدان الزوجة والأم. أخذت المحكمة هذا الجانب في الاعتبار عند تقدير التعويض، حيث قدرت إجمالي التعويض الجابر للأضرار المادية والأدبية بمبلغ مليوني درهم، وتم توزيع المسؤولية المالية على المدعى عليهم، كلٌ بنسبة خطئه المحدد.

مسؤولية المستشفى: الرقابة والإشراف

أكدت المحكمة أيضًا مسؤولية المستشفى التبعية عن أفعال أطبائها، باعتبارهم تابعين لها ويعملون تحت إشرافها الإداري والفني. وهذا يستند إلى المادة (174) من قانون المعاملات المدنية، التي تنص على مسؤولية المتبوع عن أفعال تابعه غير المشروعة. وبالتالي، يتحمل المستشفى جزءًا من المسؤولية عن الإهمال الذي أدى إلى وفاة المتوفاة.

رفض طلب إدخال شركة التأمين كخصم

جدير بالذكر أن المحكمة رفضت طلب إدخال شركة التأمين كخصم في الدعوى، وذلك لعدم اتباع الإجراءات القانونية الصحيحة. فقد كان على المدعي، قبل اللجوء إلى القضاء، أن يعرض النزاع التأميني على لجنة تسوية المنازعات التأمينية المختصة.

أهمية هذا الحكم ودلالاته

هذا الحكم يمثل سابقة قضائية مهمة في مجال التعويض عن الأخطاء الطبية في دولة الإمارات العربية المتحدة. فهو يؤكد على أن المحاكم لن تتسامح مع أي إهمال طبي يؤدي إلى فقدان حياة المريض، وأنها ستعمل على حماية حقوق المرضى وتوفير التعويض العادل لهم عن الأضرار التي لحقت بهم. كما يرسخ هذا الحكم أهمية الالتزام بأعلى معايير الرعاية الصحية، وتوفير التدريب المستمر للعاملين في المجال الطبي، لضمان تقديم أفضل الخدمات للمرضى. ويشجع هذا الحكم المرضى على المطالبة بحقوقهم في حالة تعرضهم لأي ضرر نتيجة الإهمال الطبي.

شاركها.
Exit mobile version