دبي، المدينة التي لا تعرف المستحيل، تواصل مسيرتها نحو المستقبل وهي متشبثة بجذورها العميقة في التاريخ والتراث. ففي خطوة تعكس هذا الالتزام الراسخ، أطلق سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، جائزة “إرث دبي”، مبادرة طموحة تهدف إلى توثيق الذاكرة المجتمعية للإمارة وحفظ هويتها الوطنية للأجيال القادمة. هذه الجائزة ليست مجرد تكريم للمبدعين، بل هي استثمار في مستقبل دبي، وترجمة لرؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في بناء مدينة عالمية حديثة تحتفظ بفرادتها الثقافية والاجتماعية.
رؤية القيادة.. أساس الحفاظ على الهوية
أكد سمو الشيخ حمدان بن محمد أن رؤية وتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، كانت وما زالت المحرك الأساسي لترسيخ نهج دبي الفريد في الحفاظ على الموروث الثقافي والاجتماعي. فدبي لا تنظر إلى تاريخها كأمر من الماضي، بل كمصدر إلهام وركيزة أساسية في مسيرة التنمية الشاملة. إن المجتمعات التي تعرف ماضيها وتفهمه جيدًا، هي تلك القادرة على رسم مستقبلها بثقة ووعي، مستندةً إلى قيم راسخة وجذور عميقة. هذا النهج المتكامل يضمن استدامة التقدم والازدهار، ويحمي الهوية الوطنية من التلاشي في خضم التغيرات العالمية المتسارعة.
“إرث دبي”.. جائزة عالمية المستوى لتوثيق التاريخ
جائزة إرث دبي، التي أُعلنت عنها مؤخرًا، تُعد من بين أكبر الجوائز المتخصصة في مجال التوثيق الثقافي والتراثي والاجتماعي على مستوى العالم. تأتي الجائزة في إطار مبادرة “إرث دبي” التي أطلقها سموه في فبراير الماضي، والتي تهدف إلى جمع وحفظ كل ما يوثق تطور دبي وتحولاتها على مر الزمن. هذه المبادرة ليست مجرد جهد توثيقي، بل هي منصة تفاعلية تشجع المشاركة المجتمعية الفعالة، وتجسد حرص دبي على الحفاظ على ذاكرتها الحية.
أهداف الجائزة ومجالات التوثيق
تهدف الجائزة إلى توسيع دائرة المشاركة في مبادرة إرث دبي، وتحفيز جميع أفراد المجتمع، من مواطنين ومقيمين، والمؤسسات الحكومية والخاصة، على مشاركة تجاربهم وقصصهم التي تعكس التراث الإماراتي وحياة دبي. تشمل الجائزة فئتين رئيسيتين: فئة المجتمع وفئة الجهات الحكومية والخاصة، بالإضافة إلى الجائزة الكبرى. وتغطي هذه الفئات سبع جوائز فرعية متنوعة، تشمل:
- أفضل مشاركة تم توثيقها بشكل إبداعي.
- أفضل تدوين لإرث العائلة.
- أفضل مشاركة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
- أفضل موثِّق للإرث الشفهي.
- أفضل مشاركة لمقيم في دبي.
- أفضل مشاركة مُقدّمة من القطاع الخاص.
- تقدير خاص للجهات الحكومية الداعمة.
مكافآت تقديرية تعكس أهمية الإرث
تُولي جائزة إرث دبي أهمية كبيرة للمشاركين المتميزين، حيث خصصت أكثر من خمسة ملايين درهم لتكريم الفائزين. الجائزة الكبرى ستحصل عليها أفضل مشاركة على الإطلاق بمبلغ مليون درهم، بينما سيتلقى الفائزون في كل فئة فرعية جوائز بقيمة نصف مليون درهم. بالإضافة إلى الجوائز المالية، ستُحفظ جميع المشاركات، سواء كانت قصصًا أو تجارب، في أرشيف رقمي تفاعلي، يتيح الوصول إليها للباحثين والمهتمين والجمهور على نطاق واسع. هذا الأرشيف الرقمي يُعد بمثابة كنز للمعلومات التاريخية والثقافية، ويضمن استدامة هذه الثروة للأجيال القادمة. إن الحفاظ على الذاكرة الثقافية ليس رفاهية، بل هو ضرورة حتمية لتعزيز الهوية الوطنية وربط الحاضر بالماضي.
دعوة مجتمعية للمشاركة في بناء الذاكرة
شدد سمو الشيخ حمدان بن محمد على أن الحفاظ على ذاكرة دبي المجتمعية وتوثيق إرثها الثقافي والتاريخي هو مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الجميع. ولذلك، وجه سموه دعوة إلى كل من عاش في دبي وشكلت جزءًا من ذاكرته، للمشاركة في مبادرة “إرث دبي” وتقديم تجاربهم وقصصهم التي تعكس ملامح الإمارة. فالقصص الشخصية هي اللبنات الأساسية التي تبني الذاكرة الجماعية، وهي الطريقة الأمثل لربط الماضي بالحاضر والمستقبل.
كيف تشارك في جائزة “إرث دبي”؟
يمكن للمشاركين الراغبين في تقديم أعمالهم التوجه إلى الموقع الإلكتروني لمبادرة إرث دبي (https://erthdubai.ae) أو تحميل التطبيق الذكي المتاح على متجري “أبل ستور” و”جوجل بلاي”. آخر موعد لتلقي المشاركات هو الخامس عشر من يناير المقبل. ستُختتم فعاليات الجائزة بحفل رسمي يقام خلال الربع الأول من العام القادم، يتم خلاله تكريم الفائزين وإعلان النتائج.
فجائزة “إرث دبي” ليست مجرد مسابقة، بل هي فرصة للمساهمة في بناء ذاكرة وطنية، وتخليد التاريخ الإماراتي، وتعزيز الهوية الوطنية للأجيال القادمة. إنها دليل على أن دبي تسير بخطى ثابتة نحو مستقبل مشرق، وهي متشبثة بجذورها العميقة في الماضي.


