تأجير السيارات والاتفاقيات الشفهية: حكم قضائي يؤكد قوة العقد المكتوب في أبوظبي
تعتبر قضايا تأجير السيارات من بين النزاعات التي تقع بشكل متكرر، خاصة عندما يتعلق الأمر بالخلافات حول قيمة الأجرة أو شروط العقد. مؤخراً، شهدت محكمة أبوظبي التجارية (ابتدائي) قضية مهمة سلطت الضوء على أهمية العقد المكتوب وقوة الإثبات القانوني في مثل هذه الحالات. فقد رفضت المحكمة مطالبة شاب بوجود اتفاق شفهي يقلل من قيمة الإيجار اليومي لسيارة مستأجرة، وألزمته بدفع مبلغ يتجاوز 105 آلاف درهم للشركة المؤجرة. هذه القضية تثير تساؤلات مهمة حول مصداقية الاتفاقيات الشفهية في المعاملات التجارية، وخصوصاً في ظل وجود عقود مكتوبة.
تفاصيل القضية والخلاف على قيمة الإيجار
أقامت شركة لتأجير السيارات دعوى قضائية ضد شاب، تطالب فيها بمبلغ 105,424 درهم كأجرة متأخرة عن استئجار سيارة لمدة 146 يوماً. بالإضافة إلى ذلك، طالبت الشركة بمبلغ 917 درهم لتغطية المخالفات المرورية ورسوم “سالك”. استندت الدعوى إلى عقد إيجار سيارات موقع من الطرفين، يحدد قيمة الإيجار اليومي بـ 750 درهماً.
في المقابل، قدم الشاب مذكرة دفاعية زاعماً وجود اتفاق شفهي مع مسؤول في الشركة، يقضي بأن تكون قيمة الإيجار اليومي 350 درهماً فقط. وأكد أنه دفع مبلغ 10,500 درهم بالفعل، وأنه مستعد لدفع 18,000 درهم إضافية، مع اقتراح بتقسيط المبلغ المتبقي. إلا أن الشركة رفضت التسوية ورفضت حتى استلام السيارة. طالب الشاب برفض الدعوى استناداً إلى هذا الاتفاق الشفهي، مدعياً أنه يمثل التزاماً مالياً نهائياً.
حيثيات الحكم وأهمية العقد المكتوب في النزاعات
بعد دراسة القضية، أصدرت المحكمة حكمها بإلزام الشاب بسداد المبلغ المطالب به، وهو 105,424 درهم، بالإضافة إلى الفوائد القانونية والرسوم القضائية. وأوضحت المحكمة في حيثياتها أن عقد الإيجار المكتوب هو السند القانوني الرئيسي في هذه القضية، وأنه يثبت بشكل قاطع أن قيمة الإيجار اليومي المتفق عليها هي 750 درهماً.
وأشارت المحكمة إلى أن الشاب لم يقدم أي دليل قاطع على وجود هذا الاتفاق الشفهي، ولم ينازع في صحة توقيعه على عقد الإيجار. كما رفضت المحكمة طلب الشاب بتوجيه يمين للمسؤول في الشركة، معتبرة ذلك محاولة لـ تعديل شروط العقد بناءً على ادعاء غير مثبت. إن طلب اليمين للحكم بخلاف ما هو مثبت في عقد مكتوب يعد أمراً غير مقبول قانوناً.
إسقاط المطالبات الإضافية: المخالفات ورسوم “سالك”
بالإضافة إلى قضية الإيجار اليومي، رفضت المحكمة مطالبة الشركة بقيمة المخالفات المرورية ورسوم “سالك”. وأوضحت المحكمة أن الشركة لم تقدم أية أدلة تثبت ارتكاب الشاب لأي مخالفات، أو قيامه بدفع رسوم “سالك”. وبالتالي، لا يمكن تحميل الشاب هذه التكاليف الإضافية. ويُظهر هذا الجانب من الحكم أهمية تقديم الشركة المؤرجة لـ إثبات الديون بشكل كامل وموثق.
الدروس المستفادة من القضية وتجنب النزاعات المستقبلية
تُعد هذه القضية بمثابة تذكير هام بأهمية إبرام العقود المكتوبة والالتزام بشروطها. فالأدلة الكتابية تحمل وزناً أكبر في الإثبات القانوني، وتحمي حقوق كل من الطرفين في حالة حدوث أي نزاعات. فيما يلي بعض الدروس المستفادة من هذه القضية:
- حرر عقدًا إيجارًا واضحًا وشاملاً: يجب أن يحدد عقد إيجار السيارة بوضوح جميع الشروط والأحكام، بما في ذلك قيمة الإيجار اليومي، ومدة الإيجار، ومسؤوليات كل من الطرفين.
- لا تعتمد على الاتفاقيات الشفهية: حتى لو تم التوصل إلى اتفاق شفهي مع الشركة، فمن الأفضل دائمًا الحصول على تأكيد كتابي لهذا الاتفاق.
- احتفظ بنسخة من العقد: يجب على كل من الطرفين الاحتفاظ بنسخة أصلية من عقد الإيجار.
- افحص فواتير المخالفات ورسوم “سالك”: تأكد من مراجعة فواتير المخالفات المرورية ورسوم “سالك” للتأكد من صحتها قبل الموافقة عليها.
- التأكد من إجراءات التسليم والاستلام: يجب توثيق حالة السيارة عند الاستلام وعند التسليم، مع التأكد من تسجيل أي أضرار موجودة.
الخلاصة: قوة القانون وأهمية الحذر في معاملات تأجير السيارات
ختاماً، تؤكد هذه القضية على قوة القانون وأهمية العقد المكتوب في معاملات تأجير السيارات. يجب على المستأجرين أن يحرصوا على قراءة وفهم شروط العقد قبل التوقيع عليه، وأن لا يعتمدوا على الاتفاقيات الشفهية. كما يجب على شركات التأجير أن تقدم أدلة قاطعة على الديون المطالب بها، وأن تلتزم بإجراءات شفافة في التعامل مع عملائها. إن الوقاية خير من العلاج، والالتزام بالشروط القانونية يحمي حقوق الجميع ويجنبهم النزاعات القضائية.


