إلقاء بقايا الطعام لإطعام الحيوانات، سلوك شائع يثير الجدل في الإمارات، ويشكل تحدياً بيئياً وصحياً متزايداً. ففي حين يرى البعض فيه عملاً إنسانياً ورحمة بالحيوان، يعتبره آخرون سلوكاً سلبياً يساهم في انتشار الأمراض، وتشوه المظهر العام، وزيادة أعداد الحيوانات المشردة. هذه الظاهرة، التي تتجلى في رؤية بقايا طعام ملقاة على الأرصفة وبين البنايات، أثارت قلقاً واسعاً بين السكان وأصحاب المحال التجارية، ودعت إلى إيجاد حلول جذرية للحد منها.

إطعام الحيوانات: بين الرحمة والمخاطر الصحية والبيئية

تلقّت “الإمارات اليوم” العديد من الشكاوى من سكان وملاك محال تجارية حول هذه الممارسة. يؤكد المتضررون أن الرحمة بالحيوان لا تبرر وضع بقايا الطعام في الأماكن العامة، مما يؤدي إلى تجمع الحشرات والقوارض، وانتشار الروائح الكريهة، وتشوه واجهات المباني والمركبات. ويشيرون إلى أن البعض قام بوضع صناديق بلاستيكية أو خشبية لتكون محطات تجمع دائمة للحيوانات، متجاهلين بذلك المخالفات القانونية والأضرار البيئية والصحية.

يصف السكان هذه الممارسة بأنها “هوس” لدى البعض، حيث يقومون بتقديم أنواع مختلفة من الطعام، بدءاً من “الدراي فود” (الطعام الجاف المصنع للحيوانات الأليفة) وصولاً إلى بقايا الأرز والدجاج والسمك، وكأنها بديل عن صناديق القمامة. وعلى الرغم من أن “الدراي فود” قد يكون أقل ضرراً من بقايا الطعام، إلا أنه يساهم أيضاً في زيادة أعداد القطط في المناطق التي يتم وضعه فيها.

الآثار السلبية لإطعام الحيوانات العشوائي

تتجاوز الآثار السلبية لهذه الظاهرة مجرد تشويه المظهر العام. يؤكد المختصون الصحيون والقانونيون أن إطعام الحيوانات العشوائي يزيد من فرص نقل العدوى من الحيوانات إلى الإنسان، ويساهم في انتشار الأمراض المعدية. وتشمل هذه الأمراض داء الكلب، والعدوى الفيروسية، والطفيليات، بالإضافة إلى أمراض جلدية مثل القوباء الحلقية.

وتحذر أخصائيات طب النساء والولادة من خطر انتقال عدوى “التوكسوبلازما” من القطط السائبة إلى الحوامل، مما قد يؤدي إلى الإجهاض أو تشوهات خلقية. كما تشير الدكتورة هالة عبدالكريم، استشارية طب الأسرة، إلى أن هذه البقايا تجذب الحشرات والقوارض، وتوفر مصدراً دائماً لغذاء الحيوانات السائبة، مما يزيد من احتمالات انتشار الأمراض المعدية بين أفراد المجتمع.

الجانب القانوني والشرعي لإطعام الحيوانات

من الناحية القانونية، يعتبر إلقاء بقايا الطعام في الشارع مخالفة بموجب القانون الإماراتي. وتنص القوانين المنظمة للرفق بالحيوان والنظافة العامة على منع إطعام الحيوانات عشوائياً، وتفرض غرامات على المخالفين تتراوح بين 200 و 500 درهم. ويؤكد المحامون أن هذا التغريم يهدف إلى حماية الصحة العامة ومنع انتشار الأمراض.

أما من الناحية الشرعية، فيرى مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي أن إطعام القطط والطيور أمر مباح، ولكنه يجب أن يتم بمقتضى النظام العام، مع المحافظة على نظافة الشوارع. ويشدد المجلس على أن “لا ضرر ولا ضرار”، وأن إلقاء بقايا الطعام قد يشكل ضرراً على الصحة العامة والبيئة.

حلول مقترحة للحد من الظاهرة

يقترح المتضررون إنشاء محطات مخصصة لإطعام الحيوانات، تحد من الممارسات العشوائية وتلزم الراغبين في إطعام الحيوانات السائبة بأنواع محددة من الطعام المناسب. كما يقترحون تشجيع العيادات الطبية على تنفيذ مبادرات مجتمعية لعلاج القطط المريضة أو المصابة، قبل إعادتها إلى بيئتها بعد تماثلها للشفاء.

ويرى الدكتور سيف راشد الجابري، أستاذ الثقافة المجتمعية، أن الإطعام يجب أن يتم بـ”نظافة ومسؤولية”، وأن الإنسان يجب أن يتقن عمله ولا يسبب إيذاءً للآخرين أو يشوه المظهر العام. ويشدد على أن الرفق بالحيوان والإحسان إليه من أسباب المغفرة، ولكن يجب نشر الوعي بين أفراد المجتمع للإطعام بأسلوب حضاري.

نحو مجتمع مسؤول: الرفق بالحيوان والحفاظ على البيئة

إن ظاهرة إلقاء بقايا الطعام لإطعام الحيوانات ليست مجرد مشكلة بيئية وصحية، بل هي أيضاً انعكاس لغياب الوعي المجتمعي بأهمية النظافة والمسؤولية. فالحفاظ على البيئة صحية وآمنة مسؤولية مشتركة تبدأ من الأسرة، وتتطلب تضافر جهود الأفراد والمؤسسات.

إن الرحمة بالحيوان أمر محمود، ولكن يجب أن يتم بطريقة منظمة ومسؤولة، تحافظ على صحة الإنسان والبيئة، وتحترم القانون والنظام العام. فالحل الأمثل يكمن في الرحمة المنظمة، عبر الاتصال بجهات مختصة، ودعم جهود التعقيم والتطعيم، والإسهام في التبني، والمحافظة على نظافة المجتمع والبيئة. فبهذه الطريقة، يمكننا أن نساعد الحيوان، ونحمي الإنسان، ونحافظ على جمال مدننا.

شاركها.
Exit mobile version