في أعقاب اختتام مؤتمر الأطراف المعني بالمناخ (كوب 30) في مدينة بيليم البرازيلية، تبرز أهمية مشاركة الشعوب الأصلية ودورها المحوري في حماية البيئة ومواجهة تحديات تغير المناخ. سونيا غوخاخارا، أول وزيرة لشؤون السكان الأصليين في تاريخ البرازيل، تؤكد أن هذا المؤتمر شهد حضوراً غير مسبوق لهذه المجتمعات، مما يعزز من تأثيرها ويدعم مطالبها العادلة. هذا المقال يسلط الضوء على أبرز تصريحات الوزيرة غوخاخارا، والتطورات الأخيرة في مجال حقوق السكان الأصليين في البرازيل، والتحديات التي لا تزال قائمة.

أهمية مشاركة السكان الأصليين في مؤتمر كوب 30

أشارت الوزيرة غوخاخارا في مقابلة مع موقع “ديموكراسي ناو” إلى أن أكبر إنجاز لمؤتمر كوب 30 هو تحقيق أوسع مشاركة للشعوب الأصلية في تاريخ مؤتمرات المناخ. هذا الحضور القوي لم يكن مجرد رمزية، بل خطوة عملية نحو تعزيز الدور القيادي لهذه المجتمعات في صياغة السياسات المناخية. فالسكان الأصليون هم حراس الغابات والأراضي، ويمتلكون معرفة عميقة بالنظم البيئية التي يعيشون فيها، مما يجعلهم شركاء أساسيين في أي جهود تهدف إلى حماية البيئة.

الاعتراف بالأراضي وحمايتها كركيزة أساسية

تؤكد غوخاخارا أن الاعتراف بأراضي السكان الأصليين وترسيم حدودها يمثل جزءاً أساسياً من أي استراتيجية مناخية فعالة. حماية هذه الأراضي ليست مجرد مسألة عدالة اجتماعية، بل هي ضرورة بيئية ملحة. فالغابات التي تديرها المجتمعات الأصلية تكون أكثر عرضة للحماية من إزالة الغابات والتدهور البيئي، مما يساهم في الحفاظ على التنوع البيولوجي وتقليل انبعاثات الكربون.

تطورات حقوق السكان الأصليين في البرازيل

في الفترة الأخيرة، اتخذت الحكومة البرازيلية خطوات مهمة نحو الاعتراف بحقوق جديدة للسكان الأصليين في أراضيهم. وقد أثمرت الجهود المشتركة بين وزارة شؤون الشعوب الأصلية ووكالة شؤون السكان الأصليين (فاناي) عن ترسيم حدود جديدة للأراضي، بالإضافة إلى التزام حكومي ودولي بحماية وتمليك 63 مليون هكتار. وتتحمل وزارة شؤون السكان الأصليين مسؤولية حماية أو تمليك 59 مليون هكتار من هذه المساحات الشاسعة.

التنقيب عن النفط في الأمازون: تقييم الأثر البيئي أولاً

أثار قرار الرئيس لولا دا سيلفا بالموافقة على إجراء دراسات للتنقيب عن النفط قبالة سواحل الأمازون انتقادات واسعة من دعاة حماية البيئة. لكن الوزيرة غوخاخارا أوضحت أن الموافقة تتعلق بإجراء دراسات لتقييم الأثر البيئي المحتمل لأي نشاط نفطي في هذه المنطقة الحساسة، وليس بالبدء الفوري في استغلال النفط. كما أشارت إلى إعلان الرئيس لولا عن وضع خطة تدريجية للتخلص من الوقود الأحفوري، بهدف إيجاد بدائل مستدامة. هذا التوجه يعكس التزام الحكومة بالتحول نحو مصادر الطاقة المتجددة.

التحديات التي تواجه التحول نحو الطاقة النظيفة

على الرغم من التزام الرئيس لولا بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، إلا أن هذا المسار يواجه تحديات كبيرة. هناك معارضة قوية من بعض القطاعات الاقتصادية التي تعتمد بشكل كبير على النفط والغاز، والتي تقاوم التغيير. يتطلب تحقيق هذا الهدف استثمارات ضخمة في تطوير مصادر الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى تغييرات هيكلية في الاقتصاد البرازيلي. العدالة المناخية تتطلب أيضاً ضمان عدم ترك المجتمعات المتضررة من التحول الطاقي دون دعم أو بدائل.

العنف ضد المدافعين عن حقوق السكان الأصليين

تعتبر أمريكا اللاتينية من أكثر المناطق في العالم التي تشهد معدلات عالية من العنف ضد المدافعين عن أراضي السكان الأصليين. وقد أطلقت الحكومة البرازيلية خطة وطنية لحماية هؤلاء المدافعين، وتسعى أيضاً إلى المصادقة على اتفاقية “إسكازو”، التي تهدف إلى تعزيز حقوق البيئة وحقوق الإنسان في المنطقة. مصادقة مجلس النواب على الاتفاقية تمثل خطوة إيجابية، لكنها لا تزال بحاجة إلى موافقة مجلس الشيوخ لتصبح نافذة المفعول.

محاكمة بولسونارو وأهميتها للمجتمعات الأصلية

لا يمكن الحديث عن حقوق السكان الأصليين في البرازيل دون الإشارة إلى فترة حكم الرئيس السابق جايير بولسونارو. تعتبر غوخاخارا هذه الفترة من أصعب المراحل التي مر بها السكان الأصليون، بسبب إهمال قضاياهم والاعتداء على حقوقهم. كما انتقدت تعامل بولسونارو مع جائحة “كورونا”، مشيرة إلى أنه لم يقدم الدعم اللازم للمجتمعات الأصلية بل اتخذ إجراءات أضرت بها بشكل مباشر. إدانة بولسونارو بالتورط في محاولة انقلاب على الحكومة الحالية تمثل خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة، وينتظر السكان الأصليون أن ينال عقابه على كل ما ارتكبه بحقهم. إن محاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان تعتبر ركيزة أساسية لضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات في المستقبل.

في الختام، يمثل مؤتمر كوب 30 نقطة تحول في الاعتراف بأهمية دور السكان الأصليين في مواجهة أزمة المناخ. الخطوات التي اتخذتها الحكومة البرازيلية لحماية حقوق هذه المجتمعات هي خطوات في الاتجاه الصحيح، لكنها لا تزال غير كافية. يتطلب تحقيق العدالة الاجتماعية والبيئية جهوداً متواصلة وتعاوناً وثيقاً بين الحكومة والمجتمعات الأصلية والمنظمات غير الحكومية. ندعو إلى دعم هذه الجهود ومواصلة الضغط من أجل ضمان حقوق السكان الأصليين وحماية أراضيهم ومواردهم الطبيعية.

شاركها.
Exit mobile version